قد يصاب الشخص المغادر لأسرته، والمنتقل لمحيط جديد، بحالة من الضيق النفسي بسبب الإشتياق للأشياء والعادات التي ألفها وتعود عليها قبل سفره. هذا الشعور والضيق النفسي يعرف بمرض الحنين للوطن أو (Homesickness). من أعراض هذه المرض: الشعور بالضيق النفسي، القلق، الإكتئاب، العصبية، العزلة عن الناس، الحزن الشديد، الخوف من الأماكن المغلقة، والخوف من الأماكن العامة. وتختلف حدة الإصابة بإختلاف الجنس، الشخصية، العمر، ودرجة الإختلاف بين عادات وأطباع الناس في الوطن، وفي المكان الجديد.
يؤثر هذا المرض بشكل سلبي على تفاعل الطالب الإجتماعي، وقدرته على المشاركه والعمل مع الآخرين. هذا يعني بأنه سيجد صعوبة في الإختلاط بأصدقاء جدد، وفي سؤال المدرس، أو في المشاركة في النقاشات والحوار التي تتم أثناء المحاضرات. ولا شك، سيعيقه ذلك عن الإبداع والتحصيل الدراسي. أضف لذلك، بأن بعض الطلبة، فور إصابتهم بأعراض هذا المرض، ولعدم معرفتهم به، لا يرون حلاً له إلا بقطع الدراسة، والعودة للوطن. وهذا في الواقع، هو الكي أو آخر علاج، والذي يتوجب علينا تجربة أشياء كثيرة، قبل أن نقرر القيام به. الإصابة بهذا المرض النفسي، في الغالب تكون إما أفكار تدخلها إلى عقلك، أو عواطف تثيرها في قلبك. لذلك الوقاية تبدأ بإشغال العقول عن التفكير في الأهل والوطن، وبالسماح للعواطف بالتنفس مع ضبطها. ويمكنك القيام بذلك من خلال إتباع الخطوات التالية:
1. قبل مغادرتك للدراسة، عود نفسك على فراق أهلك من خلال أخذك لإجازة قصيرة تنقطع فيها عنهم.
2. خطط لسفرك جيداً، تأكد من أخذك للأشياء التي تحتاجها، فنسيان الأشياء المهمة قد يشعرك بالتوتر، والتوتر قد يقودك للشعور بالحنين لوطنك.
3. تذكر بأن الإعتماد على نفسك والإستقلالية أمر لا بد منه، وهو جزء من عملية نضوجك. وأنك ستضطر لمغادرة منزل والديك لاحقاً سواء للعمل، أو للزواج.
4. لا تتهرب من مواجهة مسألة سفرك، وتتركه ليوم السفر. خذ وقتك في الجلوس والسمر مع أصدقائك وأهلك. ودّعهم مبكراً، ولا تترك ذلك للحظة الأخيرة.
1. إحرص على تقليل عدد أفراد العائلة الذين سيرافقونك للمطار، ويودعونك عند باب الطائرة. فكلما زاد العدد، كلما زادت المشاعر، وزادت فرص أن يكون هناك الكثير من البكاء أثناء الوداع. شخصياً، أفضل تخصيص ساعة أو أكثر، لأقضيها مع عائلتي وأودعهم من المنزل، ثم أطلب من صديق إصطحابي لمقهى لشرب القهوة وتصفية ذهني، وبعدها يأخذني هو إلى المطار، وقبل صعود الطائرة أكلم والدي بالهاتف، وأودعهم. ولكن يبقى أن لكل عائلة طريقتها في التعامل مع الوداع، والمفترض أنك تحترم حاجة والديك ورغباتهم.
2. خطط لما ستفعله وتنشغل به أثناء رحلتك، خصوصاً إن كانت طويلة، خذ معك كتاب مسلي لتقرأه، أو حمل مجموعة أفلام مسلية على جهازك المحمول لتشاهدها.
3. تأكد من حملك لجميع الأوراق الثبوتية قبل السفر. وكذلك، الأوراق والإثباتات الرسمية، التي قد تطلب منك لدى وصولك إلى بلد الدراسة، في حالة سفرك لبلد أجنبي. وقد يكون من الجيد عمل نسخ إضافية، من الصفحة الأولى لجوازك، شهادة قبولك في الجامعة، وخطاب إعلامك بحصولك على رخصة الإقامة.
1. إتصل بوالديك فور وصولك، وطمئنهم على أنك وصلت بسلام. وكذلك إن كان الوقت مناسباً، في بلدك الأم، إتصل بهم كلما أنهيت مجموعة إجراءات. فتتصل بهم بعد الوصول للبلد الجديد، وعند ركوبك للتاكسي أو للباص الذي سيأخذك لغرفتك، وبعد أن تصل لغرفتك. فقلوبهم ستكون مشغولة عليك، ولعل رغبتهم بعدم إزعاجك، تمنعهم من الإتصال بك.
2. الليلة الأولى في مكان جديد، هي دائماً أصعب ليلة. إن كان بمقدورك، حاول أن تقضي أول ليلة في مكان جميل. احجز في فندق، أو بت الليلة الأولى لدى صديق تعرفه، حاول أن تعيش جو السائح وأبعد عن ذهنك هم إكمال إجراءات الوصول.
3. لتقلل من التفكير قبل النوم، في الأيام الأولى، حاول أن لا تأوي إلى الفراش إلى بعد أن ينهكك التعب. خطط للسير مسافة في الحي الذي تعيش فيه قبل موعد نومك، وعندما تعود لغرفتك، استحم بماء دافئ، ونم. لا تنسى أن تأخذ معك زميلاً لتمشي معه، أو تتأكد أن الحي الذي تقطن فيه آمن للمشي مساءاً.
4. لا تتصل بأسرتك إلا وأنت في مزاج جيد. قد تواجهك مشكلة بسيطة في البلد الجديد، فتضايقك، وعند محادثتك لأهلك يشعرون بها، أو تحادثهم عنها. فتبدأ بالتذمر، وهم بالمواساة. وبعد إقفال المكالمة، ستتحول المشكلة البسيطة، إلى مصيبة في نظرك، ومواساة أهلك ستشعل عاطفتك. وربما إنتهت المشكلة لديك، ولكنها ستبقى في ذهن من إتصلت به. فأنت تعيش حياتك بحلوها ومرها، وهم يعيشون من حياتك ما تخبرهم عنه أثناء الإتصال.
5. التغذية مهمة في المحافظة على صحتك النفسية والجسدية.
6. تأكد من إعطاء رقم أحد أصدقائك المقربين في البلد الجديد لوالديك، ليتمكنوا من سؤاله عنك، عندما لا يستطيعون الإتصال بك.
7. عندما تشعر بأن الحنين والإشتياق للوطن، بدأ بالتسرب إلى عقلك وعاطفتك. إفعل شيئاً لمقاومته، ولا يكون هذا الحل بالإتصال على والدتك والتشكي لها، أو إقفال باب الغرفة والبدء بالبكاء. صل ركعتين واسأل الله المعونة، إقرأ القرآن، زر أحد أصدقائك، أو اخرج للمشي في الحي الذي تقطن فيه. وتأكد من أنك تستطيع التغلب على حنينك للوطن، فالأشياء من حولك جميله ولكنك ربما لم تكن تنظر لها.
يمكن تعريف الصدمة الحضارية والثقافية بالإرتبارك والمخاوف التي يشعر بها الشخص عند الإنتقال من مجتمع بقيم وتقاليد معينة إلى مجتمع آخر. فيبدأ بمساءلة نفسه حيال القيم والعادات والأطباع التي كان يؤمن بها، ويراها في مجتمعه. أو يشعر بتنقص لقيم وعادات وأطباع المجتمع الجديد. وتشمل القيم والعادات والأطباع، تقريباً كل شيء حولنا، مثلاً:
1. اللغة: التي يتحدث بها أهل البلد، ومدى إتقانك لها.
2. الدين: سواء مقارنة الإسلام بغيره، أو الإختلاف فيما يتعارف عليه المسلمون على صحته في أقطار الأرض المختلفة.
3. الملابس: سواء نوعية الملابس المتوفرة للبيع في الأسواق، أو ما يلبس في الشارع، أو درجة الإحتشام للرجل والمرأه.
4. الأكل: طريقة الأكل، والمتوفر للبيع من أصناف الأكل والشرب، ونوعية المطاعم.
5. أطباع الناس: اختلاف في تعريف العيب أو الخطأ والصواب.
6. العلاقات الإجتماعية: ترحيب أهل البلد بالغرباء، أو نبذهم.
7. المباني: طريقة البناء، حجم الغرف، تقسيم الشقق، ضيق المباني ووسعها.
8. الإحتفالات: نوعياتها وأهدافها والأسباب ورائها.
لا ينطبق ذلك فقط على الإنتقال من مجتمع شرقي إلى مجتمع غربي، بل قد تحصل صدمة ثقافية لمن يغادر الرياض ليدرس في الدمام، أو من يترك أهله في الخبر ليحصل على الشهادة من البحرين. قوة الصدمة تختلف بمدى الإختلاف الثقافي بين مجتمع الشخص والمجتمع الجديد، وكذلك طبيعة الشخص ومدى تمسكه بعادات وتقاليد مجتمعه. وبالتالي يمكننا القول بأن الصدمة التي يشعر بها، (زيد) عند مغادرته السعودية للدراسة في أمريكا، أقوى من تلك التي سيشعر بها لو درس في البحرين، وفي نفس الوقت، الصدمة التي سيواجهها (عمرو) عند إنتقاله من جدة إلى البحرين ستكون أقوى من صدمة الإنتقال من جدة إلى المدينة المنورة.
تعامل الناس مع الصدمة يختلف فمنهم من تؤدي هذه الصدمة، إلى عزله عن المجتمع، وكره الناس من حوله واحتقار عاداتهم. وآخرون ينسون من أين أتوا، ويذوبون في المجتمع الجديد، فيصبحون كالإسفنجة التي تمتص كل شيء. المفترض أن تكون وسطاً، فهي، فرصة لإعادة الحسابات وتصحيح الطريق، تمسك بالعادات الطيبة التي أنت مقتنع من صحتها، وكذلك تخلي عن العادات السيئة التي وجدت بديل لها في المجتمع الجديد.
بالإضافة إلى العزلة، وكره المجتمع الجديد، للصدمة الثقافية أعراض أخرى أهمها:
1. الوساس تجاه نظافة المكان، ونظافة الطعام، والصحة.
2. استغلال أي فرصة أو نقاش لإثبات مثالية عادات مجتمعك الأم.
3. الشعور بالغضب، الإكتئاب والحزن، والضعف.
4. الصداع والحساسية مع الأرق أو كثرة النوم.
5. تضخيم المشاكل البسيطة.
6. عدم الشعور بالأمن والشعور بالضياع.
7. الحنين للوطن ومساءلة النفس أو الندم على اتخاذ القرار بالسفر.
يمر الشخص عند إنتقاله بخمس مراحل، تسمى مراحل الصدمة الثقافية. معرفتها يساعدك على التخفيف من الآثار السلبية للصدمة، ويجعلك تستطيع توقع ما سيحصل معك في المستقبل. ويسهل عليك عملية الإنتقال من مرحلة إلى أخرى، بشكل سلس. هذه المراحل هي:
1. مرحلة شهر العسل: في هذه المرحلة أنت كالسائح، مبهور بكل المشاهدات الجديدة في المجتمع. شكل المباني، الأكلات الشعبية، الناس والتعامل معهم، ونظام الحياة الجديد. قد يستمر هذا الشعور لعدد من الأسابيع، يتخللها الكثير من الإكتشافات والمشاهدات، ولكن مصير هذه الفترة الإنتهاء مع إستقرارك، وبدء الدراسة. فتبدأ مشكلة اللغة والتواصل، والسكن، وترتيب الحياة بالظهور. وكذلك تبدأ بالإشتياق لأهلك وأصدقائك الذين تعودت الرجوع لهم عندما تضيق بك الدنيا. وبالتالي تنتقل للمرحلة التالية.
2. مرحلة المفاوضة: وهي أهم مرحلة، يتلاشى الشعور بالسعادة والإنبهار، تدريجياً في مرحلة شهر العسل، إلى أن تصل لمرحلة يطغى عليك الشعور بالخوف والإضطراب بسبب ترسبات المشاكل والمواقف السلبية من المجتمع الجديد. قد تشعر بالإحباط أو الغضب، وربما في هذه المرحلة تبدأ في التفكير بالتوقف عن الدراسة والعودة لبلدك الأم. هنا تأتي أهمية معرفتك بأهدافك التي تسعى لتحقيقها، ومدى قدرتك على التكيف والصبر وتحمل هذه الضغوطات في سبيل بلوغ حلمك. أيضاً، من المحتمل أن تبدأ بالمقارنة بين حالك في وطنك، وحالك الآن، وكيف أنك قد تكون اتخذت قراراً خاطئاً بالرحيل وترك أهلك وأصدقائك. هذه المرحلة مهمة جداً، فأنت وحتى إن لم تلاحظ ذلك بشكل واضح، تفاوض نفسك بين التعود على المجتمع الجديد وقبوله ومواصلة الدراسة، أو رفض المجتمع بما فيه والعودة لوطنك. هذه المرحلة هي مرحلة الحسم، فإما أن أهدافك وطموحاتك وإيمانك بقدرتك على المواصلة تغلب، أو تنهزم وترمي أحلامك وراء ظهرك لترحل.
3. مرحلة التعود: إذا إجتزت مرحلة المفاوضة بنجاح، ووصلت إلى قناعة بأن مشروع دراستك وتخرجك، أمر يستحق عناء الصبر وقبول المجتمع الجديد بمميزاته وعيوبه، ستدخل في هذه المرحلة. وفيها تبدأ بفهم أسرار تصرفات الأفراد في هذا المجتمع، وأسباب العادات الغريبة عليك. هذه العادات الغريبة ستتحول تدريجياً لأمور عاديه، لا تلفت إنتباهك ولا تضايقك، هذا حتى وإن لم تقتنع بصحتها. كما سيتولد لديك نظام لحل المشاكل والتعامل مع أفراد المجتمع الجديد. في هذه المرحلة أنت بدأت بالتحول من جاهل بأسرار المجتمع وعاداته إلى عارف بها، لا يعني ذلك عدم حدوث مشاكل، أو أنك لن تشعر بالضيق من بعض العادات والتصرفات، فنحن حتى في بلادنا الأم نتضايق من تصرفات البعض، ولكننا نعرف الأماكن التي يجب تجنبها، والألفاظ أو التصرفات التي قد تجعلنا عرضة للإعتداء.
4. مرحلة الإتقان: هذه المرحلة هي تطور لمرحلة التعود، وفيها تنتقل من التعود أو تجاهل العادات الغريبة للمجتمع الجديد، إلى الذوبان في المجتمع، والتحول من فرد غريب عنه إلى مشارك فعّال ومنتج فيه. وهنا يجب أن لا ننظر للجانب السلبي فمرحلة الإتقان لا يقصد بها نسيان الأصول والتخلي عن القيم والقناعات، بل الوصول إلى مرحلة من الإستيعاب لتحديد نقاط الإلتقاء بين المجتمع الجديد والقديم، ولتمييز العادات الخاطئة المكتسبة من المجتمع القديم واستبدالها بعادات من المجتمع الجديد.
5. الصدمة العكسية: بعد نهاية فترة سفرك وعودتك للوطن، عادة ما تمر بنفس المراحل الأربع السابقة، ولكن تكون بالعكس، فأنت ستشتاق للبلد الذي عشت فيه للدراسة، وستشعر ببعض الضيق من عادات مجتمعك الأم. قوة الصدمة العكسية ستكون على علاقة بدرجة تعمقك في مراحل الصدمة الثقافية. فالشخص الذي عاد قبل انقضاء مرحلة شهر العسل أو مرحلة المفاوضة، عادة لن يواجه صعوبة، بقدر الشخص الذي وصل إلى مرحلة الإتقان، ودخل إلى جذور عادات وتقاليد المجتمع الآخر.
هناك أمور إضافيه تساعد في التقليل أو التخلص من آثار هذه الصدمة:
1. الإيمان بأن الله تعالى هو الموفق وهو المؤنس في السفر، وتقوية الرابط معه.
2. قبل أن تسافر، اقرأ عن المجتمع الجديد، واستكشف العادات الغريبة والقريبة من مجتمعك.
3. تذكر أن بعض العادات الخاصة بمجتمعك معقدة وربما واجهت صعوبة في فهمها، قبل أن تقتنع بها. لذلك لا تتوقع ان يتفهم كل الناس أسبابك أو يقدروا عاداتك.
4. تذكر الهدف الذي سافرت من أجله، لا تغير هدفك وتحوله إلى محاولة إقناع الناس بصحة عاداتك وتقاليدك. في الغالب، لن يكون ذلك مقبولاً من طرفهم. لأنك قد تتحدث عن قيم وعادات نبيلة في نظرك، ولكنها في الواقع عادات سيئة أو متخلفة في نظر الآخرين. لكنك لو وصلت إلى مرحلة الإتقان، فهمت المجتمع الجديد وبدأت بتكوين علاقات صداقة، سيمكنك إيصال بعض الأفكار وتصحيح الصور الخاطئة عن مجتمعك الأم.
5. العادات والتقاليد لأي مجتمع هي تراكمات ثقافية من مئات السنين، بعض العادات في المجتمعات المسلمة خاطئة، وبعض العادات في غيرها صحيحة.
6. لا تدخل في نقاش عن العادات الثقافية، إلا بعد أن تتأكد من عدم ممانعة الطرف الآخر وفضوله (لفهم) وجهة نظرك. وفي الوقت ذاته، تجنب استخدام المقارنات العلنية. ولا تستخدام عبارات كـ (نحن أفضل)، و(أنتم أسوأ). تحدث لعقل مستمعك، أعطه المعلومات، دون استنتاجات، فهو من يقرر ويقتنع.
7. لا تنسى أهلك وأصدقائك في الوطن، إبقى على تواصل معهم.
8. كن وسطاً، لا تكتم المشاكل في صدرك، ولا تكن شكاءاً ومتذمراً.