حياتنا في هذه الدنيا رحلة، بدايتها عند الولادة، وبعدها نعيش مراحل نطور فيها مهاراتنا، ونتعلم، لننتج ونشارك في تقدم أمتنا والإنسانية. فأي شخص، يبدأ حياته كطفل لا يقدر على شيء، وإن ترك لنفسه قد لا يتعلم أو يتطور كغيره. يساعده والديه فيلقنانه المهارات الأساسية كالمشي، والكلام، والقراءة. ثم بمرور الوقت، يستخدم ذلك الطفل تلك المهارات، ليتعلم هو بنفسه أشياء جديدة. سيجري، ويتصفح الكتب، ويناقش ويسأل، وبعد أن يجمع العلم والمعرفة في عقله، ستتكون لديه شخصية، وستصبح عنده أهداف وطموحات ليحققها في حياته، وربما بقى أثرها الطيب بعد رحيله عن الدنيا.
المراحل العمرية التي نمر بها من الطفولة إلى الكهولة، تأتي ومعها فرص أو تقاطعات للطرق، بخروجك من مرحلة تذهب فرص، وتفوتك تقاطعات، وفي حالات كثيرة، يكون ذلك دون أن تتاح لك مرة أخرى. لذلك تسمع البعض يندم على عمر الشباب، أو يرغب بالعودة ليعيش الطفولة من جديد ليفعل أشياء، أو يقتنص فرص سبق له أن ضيعها. المرحلة التي تعيشها الآن، مرحلة الشباب، وخصوصاً مرحلة الإنتقال للدراسة في الجامعة، هي مرحلة مهمة جدًا في حياتك. وبناءًا على ما تفعله وتحققه فيها، سيرتسم أمامك المستقبل. أنت محظوظ بحصولك على هذه الفرصة التي يحلم بها غيرك. وربما ضحى آخرون بحياتهم الأسرية، وراحتهم من أجل الجلوس في مقاعد الجامعة والتفرغ للدراسة، للحصول على شهادة مرموقة تفتح لهم مجالات وآفاق مهنية وشخصية.
في الجامعة، ستتحرر من القيود وسيطرة الآخرين على حياتك، وطريقة إدارتك لها. وهذا أمر رائع ولكنه في الوقت ذاته، سلاح ذو حدين، فكما أن الحرية جميلة، إلا إن لها ثمن يجب عليك دفعه، وهو تحمل المسؤولية. فمن هذا اليوم أنت مسؤول عن متابعة أدائك في الجامعة، وترتيب أولوياتك ووضع أهدافك، وكذلك إتباع الأساليب الدراسية التي ستضمن لك، بعد توفيق الله تعالى، التفوق والنجاح في الجامعة. نظام الحياة الذي بدأت تتعلمه الآن، والمسؤوليات التي ألقيت على كاهلك، ستبقى معك حتى بعد تخرجك من الجامعة. وستكون هي الأساس الذي ستبني عليه مستقبلك.
الوقت هو أهم عنصر في حياتك، ولا وقت لديك لتضيعه في ارتكاب الأخطاء والتعلم منها. وضعت لك في هذا الكتاب خلاصة تجربتي في الدراسة في الجامعة، والتي إمتدت لحوالي عشر سنوات. خلال تلك السنوات، أخطأت وتعلمت، وتورطت وبحثت على حلول للخروج من المآزق التي وقعت فيها. قرأت عددًا من الكتب، وجربت الحلول، ولخصت لك ما وجدت واقعيته وقابليته للتطبيق. والأهم من ذلك، إعتمدت على الحلول التي تحقق الموازنة بين الدراسة والحياة الشخصية، فنحن في النهاية ندرس لنعيش ولا نعيش لندرس.
يقع هذا الكتاب في تسعة فصول. وهي لا تتحدث عن المهارات الدراسية فحسب، بل تتناول الدراسة في الجامعة كنظام حياة جديد، يتوجب عليك إتقانه لمساعدتك على النجاح في الجامعة. ولأن هذا النجاح لن يُعد نجاحاً، ما لم يكن معيناً لتفوقك في الحياة العامة، بعد تخرجك من الجامعة. كل فصل من الفصول التسعة يتناول مهارة أو جانب من جوانب حياتك وطريقة التميز فيها. وهذا ملخص بما يحتويه كل فصل:
البداية ستكون من معرفة معنى الدراسة في الجامعة، وما سيحمله إنضمامك لقافلة الطلبة الجامعيين من تغييرات على شخصيتك. فأنت منذ اليوم، أصبحت المسؤول الأول عن اتخاذ قراراتك، ورسم أفكارك وتطوير شخصيتك، وبالطبع إدارة مواردك المالية. سأطلعك على أساليب إتقان إدارة تلك المسؤوليات الثلاث، وبعدها سأستعرض لك كيف تقوم بمراقبة أدائك والتأكد من حسن تعاملك مع الصلاحيات التي منحت لك.
وقتك في الجامعة محدود، عندما تخرج مع أصدقائك أو تمارس أنشطة وأعمال تحب القيام بها، من السهل أن تفقد الإحساس بالوقت، وتجده يطير من بين يديك. لذلك وإستمراراً لحديثنا عن المسؤوليات والصلاحيات التي منحت لك، سنتحدث عن إدارة وقتك وحياتك في الجامعة. وسيكون تركيز الحديث عن مفهوم إدارة الحياة، معرفة الأولويات ، وتحقيق النجاح المتوازن فيها.
اختيار التخصص الجامعي هو أهم قرار تتخذه في الجامعة، إن لم يكن في حياتك. فالتخصص هو القاعدة التي ستبني عليها مستقبلك، ومنها ستنطلق للإنجاز والتفوق. سنستكشف جوانب من شخصيتك، يمكنها أن تساعدك في معرفة التخصص الذي يناسبك، والذي ستسعد للعيش معه لبقية حياتك. أيضاً، سأساعدك في فهم خطة التخرج التي ستحصل عليها من جامعتك، وكيفية تحليل تلك الخطة، للوصول إلى خطوات عملية.
أحد الجوانب التي قد تضطر للتعامل معها عند الإنتقال للدراسة في الجامعة، التكيف مع مجتمع جديد. وهذا يشمل الإنتقال من جو العائلة إلى مجتمع الأصدقاء والجامعة، أو مغادرة وطنك والإغتراب في بلد آخر. ستجد في هذا الفصل، نصائح تساعدك على التأقلم، اختيار جامعة وبلد الدراسة، إرشادات عامة إن كنت ستسافر للدراسة، ومفاتيح إتقان اللغة الإنجليزية.
يمكننا تقسيم المجتمع في الجامعة إلى ثلاثة أقسام: أصدقاء وزملاء، محاضرين، وعموم أفراد المجتمع في محيط الجامعة. لتندمج في مجتمع الجامعة، سيكون عليك تكوين علاقات مع أصدقاء، لتساعدهم ويساعدونك. وستحتاج لأن تكسب المحاضرين والمدرسين للحصول على احترامهم وتعاونهم. وأخيراً، كيفية التعايش مع أناس من خلفيات ثقافية مختلفة عنك، وكيفية طلب المساعدة في الجامعة.
أول المهارات الدراسية، وربما تكون هي أكثر المهارات التي ستستخدمها في الجامعة، هي فن القراءة. ولأن كمية الوقت المتاح لك مقارنة بعدد الصفحات التي يتوقع أن تقرأها، قليل. سيتوجب عليك إيجاد طريقة لتصحيح هذه النسبة، ولا يمكن ذلك إلا بتقليل الصفحات المقروءة، أو تقليل عدد مرات قراءة الكتاب. سنبدأ من التعرف على الكتاب، وما يحتويه من أدوات تساعدك للوصول إلى المعلومة بسرعة، وأيضاً فهمها بسرعة. ثم سأطلعك على أساليب القراءة، وأنواع القراءة التي ستستخدمها في دراستك في الجامعة.
سنتناول مجموعة مهارات تتعلق بعملية التواصل الكتابي والشفهي في الجامعة. اتقان مهارات التواصل مهمة لأنك من خلال التواصل الجيد، ستتمكن من البروز والتميز عن أقرانك. أول مهارات التواصل، هي فهم السؤال أو المطلوب منك ذكره وإيضاحه، فمهما كانت إجابتك رائعة ومنسقة، لن تعطى عليها درجة ما لم تكن ضمن الحدود المرسومة لك. المهارة الثانية هي الكتابة، وسيكون تركيزنا على طريقة كتابة المقال الأكاديمي. وأخيراً، مهارة الإلقاء أو الخطابة.
الأداء الجيد في الإختبارات، هو محصلة لعمل وإجتهاد طوال السنة. في هذا الفصل، سنتحدث عن كيفية الإستعداد للإختبارات بدءاً من حضور المحاضرات وكتابة المذكرات ثم إعداد الملخصات. وكيفية التأدية الجيدة عند الجلوس لأي نوع من أنواع الإختبارات كإختبارات أسئلة الخيارات المتعددة، الأسئلة المقالية، أو الكتاب المفتوح.
لأن الحياة عبارة عن مراحل، بمجرد خروجك من مرحلة تبدأ رحلة ومهمة جديدة في حياتك، سيكون عليك البدء في التفكير في ماذا ستفعل بعد تخرجك من الجامعة. وتحديد الأشياء التي من الممكن أن تبدأ العمل عليها الآن وأنت طالب في الجامعة. فسنوات الجامعة فرصة لإكتشاف المسارات والفروع الوظيفية التي تتفرع من تخصصك، لتستطيع الاستعداد وتطوير نفسك فيها، ليكون لديك أفضلية على غيرك من الخريجين. وبعد التخرج، سيكون السؤال المهم كيف تحصل على وظيفة.
أدعو الله أن يوفقك في حياتك الشخصية والدراسية، وأتمنى أن تجد الفائدة من هذا الكتاب. وعذراً على أي خطأ أو تقصير تجده في الكتاب، والذي تتحمل نفسي المقصرة كامل مسؤوليته.