تختلف درجة الإستقلالية المالية من فرد لآخر، بحسب طبيعة العائلة، والقدرة على مواصلة دعمهم لك خلال سنوات دراستك في الجامعة. لكن سنوات الدراسة الجامعية، فرصة ذهبية لتبدأ في التعلم والتدرب على إدارة أموالك ومصاريفك. فحتى وإن لم تجبرك ظروفك على الإعتماد على نفسك، خلال سنوات معدودة، ستبحر في بحر الحياة الهائج، وستكون مسؤولاً عن إعالة نفسك وأسرتك.
أثناء الجامعة ستجرب وتتعلم من خلال ضبط ميزانيتك الخاصة فقط، والجميل في هذا، أنك لو أخطأت في تقديراتك، لن يتضرر أحد غيرك وبالتالي لن تشعر بالذنب وسيمكنك الصبر وتحمل مسؤولية الخطأ الذي إرتكبته. وأيضاً، لو وقعت في ورطة أو ضائقة مالية، ستجد والديك أو اخوانك إلى جوارك يسندونك ويساعدونك، وهذا مقبول وطبيعي في هذه المرحلة. ولكن بعد تخرجك، قد تضطر للعمل بعيداً عن والديك، وبإذن الله تعالى ستتزوج وستكون مسؤولاً عن إعالة أسرة. وتأثير أخطاء إدارة أموالك، سيكون وقعه أصعب عليك، وطلب الدعم من والديك في هذه المرحلة أصعب من وقت أن كنت شاباً في الجامعة.
قد تقول بأن المكافأة الجامعية، أو المصروف الذي آخذه من والداي، قليل ولا يستحق بأن أتعب نفسي بالتخطيط والترتيب، فالمبلغ بالكاد يكفي مصاريفي، ولن أستطيع توفير مبالغ تستحق الذكر. صحيح بأن توفير مبلغ خمسين أو مائة ريال شهرياً، لن يجعل منك مليونيراً عند تخرجك. ولكن نظام الحياة، الذي عودك على التوفير، والإقتصاد، والتخطيط، ومقاومة إغراء صرف كل مافي الجيب، سيكون أكبر عون على تحقيق ذلك في المستقبل، بمشيئة الله تعالى.
لتتمكن من إدارة دخلك الشهري، يجب عليك في البداية أن تتعرف على قيمته. بعض الجامعات والدول تعطي منحاً دراسية للطلبة، وقد تتضمن هذه المنح مبلغ مكافأة شهرية كما هو الحال في السعودية. الوالدان في الغالب، سيوفران لك دعم إضافي، بحسب قدرتهم المالية. بعض العائلات تفضل أن يكون دعم الإبن أو البنت، على شكل مبالغ متقطعة وعند الحاجة، أو قد تعطى بطاقة بنكية لتصرف منها النقود بحسب حاجتك. في هذه الحالة، سيكون دخلك الشهري غير معروف، وقد يكون إلى حد ما رصيد مفتوح، لا تدري كم صرفت، وتغلبك نفسك فتقول لماذا أوفر مبلغ ما دام أنها أعطيت لي لصرفها، وفي حالة توفيري لن أكسب شيئاً.
لذلك النصيحة الأولى في إدارة أموالك، ثبّت دخلك الشهري. مكافأة الدراسة ثابتة، وكذلك الراتب الذي ستحصل عليه من العمل الجزئي. يتبقى عليك أن تقنع والديك لتحويل المصروف المتقطع، أو الغير محدود، إلى مبلغ شهري ثابت. وهنا يجب أن تكون صادقاً مع نفسك، بأنك ستلتزم بهذا المبلغ الثابت، ولن تطلب أية مبالغ إضافية من أهلك، إلا عند الضرورة القصوى وعند المفاجأت الغير متوقعة. وتذكر بأن لا تثقل على عائلتك بتحميلهم مصاريف فوق طاقتهم، وأن لديك أخوان وأخوات يستحقون نصيب من الدعم كما هو لك.
حرص والديك هنا متوقع، فقد يشعران بالخوف من إعطائك مبلغ كبير في يدك، فتبذره أو يتم خداعك فيسرق منك، أو أن تستخدمه في أمور مخالفة لتعليماتهم. لذلك، وهذا أمر سيشعرهم براحة البال، وسيساعدك أيضاً على متابعة مصروفاتك، بإمكانك الإتفاق معهم على مناقشة مصروفاتك في نهاية كل شهر. وهذا أمر ليس صعباً وسنتحدث عن كيفية إعداد جدول المصروفات لاحقاً.
يمكننا أن ننظر لطبيعة المصاريف التي ننفقها من زاويتين، الأولى مقدار أهمية الشيء الذي قمنا بشراءه، والثانية مدى كون عملية الشراء هذه متكررة أو غير متكررة. الأشياء المهمة، هي الأشياء التي لا نتمكن من العيش بدونها، أو الأشياء التي من خلالها نحقق أهدافنا. أما الأمور الغير مهمة، هي الأشياء التي نفعلها من أجل الترفيه أو نشتريها مع علمنا بعدم حاجتنا لها. مثلاً، الوجبات الرئيسية، العلاج عند المرض، وشراء اقلام ودفاتر للدراسة كلها مهمة، بينما شراء قهوة من مقهى شهير، أو شراء مجلة أو جريدة أمور قد لا تكون مهمة. قياس الأهمية أمر نسبي، فما يعد مهماً عند (زيد)، قد يراه (عمرو) تبذيراً.
من الزاوية الأخرى، يمكننا النظر إلى مدى تكرار عملية الشراء، أو مدى وجود عقد يلزمك بدفع مبلغ شهري ثابت مقابل حصولك على الشيء المشترى. وأوضح مثال على ذلك، الهاتف المحمول، فالدفع المسبق أو الشحن قبل الإتصال، يعني أنك غير ملزم بدفع مبلغ ثابت شهرياً. أنت تشحن هاتفك فقط عندما تريد ذلك، قد تشحن في شهر مرتين، وفي شهر آخر قد لا تشحن هاتفك، وذلك بحسب قدرتك ومدى وجود مبالغ إضافية لتصرفها. بينما في الهاتف المفوتر، هناك قسم شهري أنت ملزم بدفعه، بغض النظر عن مدى استخدامك للهاتف، وفي الغالب لا يمكنك تأجيل الدفع عن الموعد المحدد.
الجدول التالي يشرح ويوضح طبيعة المصارف الشهرية:
الطيبعة | التعريف |
---|---|
مهم وثابت | هذه المصاريف أنت ملزم بدفعها، وذلك لأهميتها أو لعدم قدرتك على تأجيلها على المدى القصير، وهذا بغض النظر عن حالتك المادية. مثلاً: الأقساط الشهرية، كالسكن، الإشتراكات، كالنادي الصحي، المواد الغذائية الأساسية. |
غير مهم وثابت | غالباً ماتكون هذه المصروفات ترفيهية ولكنك ألزمت نفسك بعقد أو ماشابهه لدفع مبلغ ثابت لا يمكن تغييره في الأشهر القادمة. مثلاً: أقساط الجوال، إشتراك في قنوات فضائية.، إشتراك في لعبة. |
مهم ومتغير | مصاريف مهمة، لكن بإمكانك تغيير قيمتها بحسب حاجتك، رغبتك، أو قدرتك. لا يوجد عقد ملزم بدفع القيمة في وقت محدد، فيمكنك تأجيلها لشهر آخر. مثلاً: الأكل في الجامعة، الأدوات والدورات الدراسية، النقل وصيانة السيارة. |
غير مهم ومتغير | وقد يسميها البعض النثريات، وهي غالباً ما تكون أمور ترفيهية أو للتسلية وقيمة الوحدة منها منخفضة. مثلاً: الحلويات والمشروبات الغازية، الجرائد والمجلات الغير مفيدة. |
معظم مهارات إدارة الأموال، تدور في فلك التعرف على طبائع المشتريات، ومحاولة الحد من الإنفاق على الأمور الغير مهمة، وعدم الإرتباط في عقود لشراء أشياء غير مهمة، مهما كانت قيمة الدفعة الشهرية التي تدفعها قليلة بنظرك. أنظر دائماً للإرتباط الثابت على أنه يقلل من مصروفك الشهري، ويحد من قدرتك على تأجيل الدفع أو التعامل مع الطوارئ. بينما المتغير يعطيك المرونة في الدفع وتوزيع المصروفات على الأشهر.
بعد أن تعرفت على الطبائع الأربع للمصروفاتك، حان الوقت لتحدد نسبة ما تنفقه في كل نوع من مصروفك الشهري، وتقتطع نسبة من مصروفك للتوفير. وهنا أذكرك، لا تشعر بالإحباط لقلة المبلغ المدخر، فالهدف هنا تعويد نفسك على اتباع نظام لمقاومة الصرف في الغير مهم والتوفير، وستجني ثماره لاحقاً، إن شاء الله تعالى.
كبداية، وحسب المبلغ المتوفر لديك، حاول إدخار نسبة 10 إلى 15 في المائة من دخلك الشهري. وضع لنفسك هدفاً للتوفير إن استطعت بلوغه، ستصرف جزءاً من المبلغ الموفر في شراء هدية لنفسك، أو تأخذ والديك أو أحدهما لمطعم محترم. مع مرور الوقت، وفي حالة شعورك بأن الإدخار أصبح سهلاً، إرفع النسبة، إلى 20 في المائة مثلاً، وتذكر بأن لا تلزم نفسك بهدف صعب من البداية.
في الجدول التالي تجد مثالاً مشروحاً لتقسيم النسب، مع إفتراض بأن مصروفك الشهري يبلغ 1500 ريال:
الطيبعة | النسبة | القيمة | المتبقي | ملاحظات |
---|---|---|---|---|
التوفير | 10% | 150 | 1,350 | مبلغ تقتطعة من مصروفك شهرياً. |
مهم وثابت | 35% | 500 | 850 | قيمة المصاريف المهمة و الثابته 500 ريال ونسبتها 35% من مصروفك 1500، وهذه لا يمكنك تغييرها على المدى القريب. |
غير مهم وثابت | 17% | 250 | 600 | المصاريف الثابته والغير مهمة قيمتها 250 ريال وتمثل 17% من مصروفك، حاول التقليل منها متى ماسنحت لك الفرصة. |
مهم ومتغير | 25% | 400 | 200 | 400 ريال هي قيمة المصاريف المهمة والمتغيرة، ذكر نفسك دائماً بأنك تستطيع زيادتها بالتقليل من المصاريف الغير مهمة. |
غير مهم ومتغير | 13% | 200 | 0 | 200 ريال مصروف جيبك على النثريات. |
في هذه الأيام، للكثير منا لم تعد عملية امتلاك حساب بنكي خياراً. البنوك، وفرت الحماية للأموال، والخدمات المصرفية سهلت العمليات التجارية، ولكن هذا ليس بالمجان. فالبنوك تفرض أنواع مختلفة من الرسوم على صاحب الحساب، مثلاً، رسوم إصدار بطاقة الصراف، أو رسوم البطاقات الإئتمانية، أو انخفاض الرصيد البنكي تحت حد معين. هذه الرسوم، إن لم تتعامل معها بحذر، خصوصاً وأن مواردك المالية محدودة، قد تستقطع نسبة ليست بالقليلة من مصروفك الشهري. لكن بعض التخطيط سيساعدك في تخفيضها أو حتى تجنب دفعها. وذلك لن يكون ممكناً، ما لم تقرأ أو تسأل عن تلك الرسوم، قبل فتحك للحساب البنكي.
عندما تبحث عن بنك لتفتح حسابك فيه، ركز بحثك عن البنوك التي تقدم خدمات وتسهيلات للطلبة الجامعيين. هذه البنوك عادة ما توفر حساب بنكي بدون فوائد أو رسوم للإستخدام. احذر من البطاقات الإئتمانية، أو القروض. فالقرض سيشعرك بالسعادة مرتين فقط، يوم الموافقة على إقراضك واستلامك للنقود، ويوم تسديدك للقسط الأخير، وبين هذين الوقتين لن تكون هناك سعادة حقيقة. عند حاجتك لإصدار بطاقة إئتمانية، تذكر أن هناك نوعين من البطاقات، البطاقات الإئتمانية المسبقة الدفع، والبطاقات الإئتمانية ذات الدفع الآجل. وكلاهما يؤديان ذات المهمة، عدا أن المسبقة الدفع عادة لا يكون عليها رسوم سنوية ثابته، ويتوجب عليك شحنها بمبلغ قبل إستخدامها. أما ذات الدفع الآجل، فالبنك يضع لها حد إئتماني، تصرف منه ويتوجب عليك سداده خلال فترة معينة، وإلا عد كقرض يستوجب منك تسديده ودفع فوائد ماليه عليه.
لكل منّا طقوسه الخاصة، أو عاداته للتسوق، وهذا يشمل عمليات الشراء اليومية، أو التسوق للملابس والأدوات الشخصية، أو شراء سلع باهضة الثمن. العادات الشرائية هي معين لك سواء للتوفير أو التبذير. فالكثير من الناس، لا يفكرون في التسوق اليومي، أو يذهبون للسوق دون أن يكون لديهم أي معرفة بالأشياء التي يرغبون بشراءها، وحتى عند شراء سلع غاليه أو غير ذات خصائص غير مفهومة لا يقومون بالسؤال أو البحث قبل الشراء. وبالتالي، يخسر هؤلاء مبالغ في شراء سلع قد لا يحتاجونها أو في أفضل الأحوال لا تلبي إحتياجتهم.
لتصحيح العادات الشرائية، قبل الذهاب للتسوق يجب أن:
تخطط لعملية التسوق
التخطيط للتسوق يكون بمعرفة ماذا تريد شراءه، ولماذا تريد شراءه، وكم ستدفع لشراءه. لا تذهب للسوبرماركت دون أن تتأكد من حاجاتك للذهاب، وتعوّد أن تكتب قائمة بالأشياء التي تريد شرائها قبل الخروج، وعندما تصل هناك لا تقلب عينك بين الأرفف بحثاً عن شيء إضافي لتشتريه.
لا تستعجل بالشراء
لا تستعجل بشراء منتج، خصوصاً وإن كانت قيمته عاليه، أو أنك غير متأكد بعد من حاجتك له. قد تذهب للسوق لشراء عطر، فتشتريه ويخطر ببالك أنك تحتاج لشراء صابون وشامبو، فتذهب وتشتري، وبعد عودتك للبيت تجد أنك قد شريت صابون وشامبو قبل أيام ولكنك نسيت. التخطيط للتسوق وعدم الإستعجال بالشراء سيكون سهلاً عليك تطبيقه في حياتك، إن وضعت لنفسك يوماً من أيام الأسبوع وتسميه يوم التسوق. ترتب نفسك وتضع قائمة تتأكد من أنك محتاج لشرائها، وتذهب للتسوق وفقاً للقائمة دون زيادة أو نقص.
لا تتجاهل البدائل
عادة ما نتجاهل البدائل، فالغالب منّا لديه ولاء لبعض المنتجات أو العلامات التجارية، لا يتجرأ حتى على التفكير في تغييرها أو إعطاء نفسه فرصة لتجربة غيرها. بعض المنتجات أسعارها مبالغ فيها، ولا فرق بينها وبين غيرها في جودة التصنيع، الطعم، أو الشكل. ابحث عن المنتجات البديلة، واسأل من جربها واختبرها، فلعلها وسعرها يروقان لك أكثر مما أنت تستخدم الآن.
مصروفك وكسبك الحلال، هو لك لتستمتع به خلال حياتك. لذلك لا تقتر على نفسك ولا تحرمها من اللهو، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب تطوير نفسك، وتذكر بأن تطوير نفسك استثمار تنفقه الآن، أملاً في أن يكون سبب في زيادة رزقك مستقبلاً. ولا تنسى نصيب الآخرين من هذه المتعة، عود نفسك على إخراج مبلغ ولو كان بسيطاً بشكل شهري، كصدقة ليبارك الله في رزقك، ويرضى عنك. وكذلك لا تنسى المناسبات الهامة للأشخاص العزيزين عليك، تذكرهم بهدية بسيطة من وقت لآخر.
اشتر السلع الإستهلاكية بالجمله، يمكنك توفير مبالغ غير بسيطة بهذا الاسلوب عند الشراء مباشرة من سوق الجملة. مثلاً: الأغراض القرطاسية كالأقلام والدفاتر، المواد الغذائية كالأطعمة الجاهزة سريعة التحضير، مواد النظافة الشخصية كالصابون، أو الملابس.
هناك العديد من الخدمات التي تدفع مقابل للحصول عليها، وهي في الواقع مهارات بسيطة بإمكانك إتقانها والقيام بها بنفسك. فعلى سبيل المثال، حلاقة الذقن، غسيل السيارة، إصلاح الحاسب الآلي، طبخ الوجبات، تستقطع نسبة من دخلك الشهري، خصوصاً وأنها قد تتكرر عدة مرات في الشهر الواحد.
تخلص من الأشياء التي انتهت حاجتك لها، بع كتبك الدراسية القديمة، التي لن تحتاجها لاحقاً، لعبة الفيديو التي لا تستخدمها وغيرها. بقاءها عندك وأنت لا تستخدمها خسارة للمال. وتذكر أن غالب الأشياء تتطور، والأشياء الجديدة ستغريك بشرائها حين ترغب بإستخدامها مرة أخرى.
إكتشف الأشياء والخدمات المجانية أو مخفضة السعر التي توفرها الجامعة. إن كنت تحب قراءة الجريدة أو مجلة، غالباً ما يمكنك قراءتها مجاناً في المكتبة العامة، وإن كنت ترغب بالتمرين، استخدم صالة الجامعة.
تخلص من عادة الخروج للسوق كنشاط لتغيير الجو وطرد الملل. استبدل ذلك ببرنامج دراسي، أو ترفيهي، لا يتضمن زيارة المجمعات التجارية.
قد يكون أفضل طريقة لشرح طريقة تحليل المصروف هو بمثال، وهذا ما ستجده في الجدول المرفق. في هذه المثال لم يتم الدخول في تفاصيل المشتريات، بل تم ذكر أمثلة إفتراضية من كل نوع. مع إفتراض بأن دخلك الشهري هو 1500 ريال. (ملف التحليل)