الإستقلالية في اتخاذ القرارات يقصد بها أنك ومنذ تخرجك من الثانوية، أصبحت ملك نفسك، بيدك إتخاذ القرارات التي ستشكل حياتك لباقي عمرك. أنت الآن المسؤول عن اختيار الجامعة، اختيار التخصص، اختيار الأصدقاء، واختيار أين تسكن وماذا تلبس. الشعور بالمسؤولية سيبدو جميلاً في البداية، ولكن هناك جانب مظلم له. فخبرتك في الحياة لا تزال قليلة مقارنة بوالديك مثلاً، وبالتالي هناك فرصة لأن تتخذ قرارات خاطئة. والديك يعرفان عن قلة خبرتك، وخوفهم عليك، خصوصاً في الأشهر الأولى، قد يدفعهم للتدخل وكثرة السؤال عن أسباب إتخاذ قراراتك، وربما تحديها. وهذا ولا شك قد يشعرك بالإنزعاج.
في البداية، وجود شخص تسند عليه ظهرك حين تجد نفسك في مشكلة أمر مهم لتعزيز ثقتك بنفسك. وأيضاً المسآلة والمناقشة والتشكيك، أمر سيطور مهارة الإقناع والمفاوضة لديك. في المستقبل، مهما كانت إقتراحاتك وحلولك مبدعة، لا تتوقع أن يتفق معها الجميع. سيحاول الآخرون، التشكيك فيها ومقاومتها بإبراز عيوب فكرتك. بالطبع، آرائك وقراراتك لم تتخذها إعتباطاً، هناك أسباب ورائها. ناقش، ولا تكتفي بإتخاذ القرار فقط، بل ابحث عن أسبابه، وأستمع لمن يعارضه. تفاوض وأبحث عن الحلول الوسط، التي ترضيك وترضي من حولك.
مهما بلغنا من العلم، إلا أننا لن نعلم الغيب أو نستطيع التنبوء بالمستقبل. الخطأ دائماً وارد، وكل الجهد والبحث والتفكير والسؤال إنما يكون محاولة لتقليص فرص وقوعنا في الخطأ، ومحاولة لجعل القرار الذي نتخذه متوافقاً مع أهدافنا وطموحاتنا. الخطوات السبع التالية، استخدمها دائماً عند مواجهتي لقرار، لأتأكد من أني بذلت الأسباب، واجتهدت لتقليص فرص إتخاذي لقرار غير صحيح. بالتالي، حتى وإن إرتكبت خطأ، لا أشعر بالندم، او الأسف النابع من شعوري بأني قصرت ولم أبذل الجهد اللازم في دراسة الخيارات.
ليست كل العوارض مهمة، بعض الأمور لا تستحق إعطائها وقت في التفكير والتمحيص. القرارات الغير مهمة، تأثيرها عليك في الغالب لحظي لا يتعداه للمستقبل، ولا تمثل منعطف أو تؤثر على سير حياتك. الجدول التالي يذكر أمثلة لمجموعة قرارات مصنفة بحسب أهميتها:
التأثير | قرار مهم | قرار غير مهم |
---|---|---|
دراسي | اختيار مدرس مادة الرياضيات | اختيار نوع اللعبة لمادة الرياضة |
مالي | شراء جهاز حاسب آلي | شراء علبة عصير |
إجتماعي | اختيار الأصدقاء | تحديد صديق لتصحبه للعشاء |
شخصي | التخلي عن عادة سيئة | اختيار لون ملابس لترتديها |
يمتد تأثير بعض القرارات ليشمل أكثر من وجه من أوجه الحياة. على سبيل المثال شراء جهاز حاسب آلي لمستخدم عادي، ينظر لتأثيره على أنه مالي فقط. ولكن القرار نفسه قد يمثل لطالب، أهميه مالية، ودراسية، واجتماعية. فالجهاز سيوثر على ميزانية الطالب المالية، وسيستخدمه لإنهاء مهامه الدراسية، وأيضاً في التواصل مع أسرته. كلما شمل تأثير القرار عدد أكثر من الأوجه، كلما إزدادت أهميته بالنسبة لك.
أهمية القرار يمكن أن ينظر لها من زاوية نسبة ما ستبذله من جهد أو مال كنتيجة للقرار. ونستطيع القول بأن ميسور الحال قد لا يرى أن قرار شراء جهاز حاسب آلي قرار مهم، لأن قيمة الجهاز منخفضة بالنسبة لدخله. بينما الطالب الجامعي الذي وفر من مصروفه الشهري لعدة أشهر ليجمع قيمة الجهاز، سيرى بأن عملية الشراء هذه مصيرية، وأن الخطأ فيها سيكلف الكثير. وهنا، إن كنت ترى بأن القرار لن يؤثر على حياتك كثيراً، وقيمة ما ستبذله فيه سواءاً أكان جهداً أو مالاً قليلة نسبياً، لا تضيع وقتك في التفكير فيه، إن كان يستحق إسأل من تثق بخبرته، ثم أستخر الله وتوكل عليه، قبل أن تعزم أمرك.
منحنا الله تعالى، موارد كالقدرات العقليه والمالية والشخصية، بكميات محدودة ومتفاوته من شخص لآخر. ستلاحظ أن القرارات المهمة، تحوم حول كيفية تقسيم هذه الموارد. فقرار شراء سيارة هو إقتطاع مبلغ من موردك المالي. وقرار التخصص في الهندسة يعد اقتطاع من جهدك العقلي، وقرار عملك كمتطوع يعد إقتطاع من جهدك الشخصي. أنت كالمستثمر الذي يصرف من تلك الموارد بحرص، سعياً لتحقيق أعلى مردود على ما أنفقه. لذلك قبل اتخاذ القرار، تعرف على حجم وكمية ما تمتلكه من تلك الموارد قبل أن تبدأ في تقسيمها على الخيارات التي ستأخذها في حياتك.
سر النجاح يكمن في استثمارك لأكبر قدر ممكن من مواردك الشخصية، في خياراتك ولتحقيق أهدافك، مع متابعة مخزونك من كل مورد، لكي لا تجد نفسك مخفقاً بسبب عدم كفاية أحدها. في الجامعة قد يحدث هذا، عندما تختار تخصصاً، دون التعرف على كمية الجهد الشخصي والعقلي اللازم للحصول على الشهادة. عندها قد تسير الأمور بشكل جيد في البداية، ولكن عندما يقترب الطالب من خط النهاية، يكتشف بأن التخصص، أو مجال العمل لا يناسب قدراته أو ميوله الشخصية. فيكتشف أنه لم يوفق في الاختيار. حقق الموازنة، بتحدي نفسك قليلاً، وبعدم وضع أهداف سهلة تقل عن قدراتك.
جهز قائمة بالخيارات الواقعة ضمن حدود قدراتك الشخصية والمالية والعقلية، أو قريبة منها. ثم إبدأ في البحث والقراءة عن كل خيار منها. لا تنسى أن تسأل أصدقاءك، أو أهل الخبرة، وأن تجرب أو تعاين الخيارات إن كان ذلك متاحاً. لا تستبعد الخيارات الواقعة خارج حدودك ولكنها قريبة. مثلاً، فلو كان التخصص أصعب من قدراتك بشكل بسيط. كأن يكون عليك دراسة مادة لا تحبها أو لا تفهمها، لا تستبعده من خياراتك. ولعل ذلك التخصص، أفضل خيار، والعيب الوحيد أنك قد تحتاج لبذل المزيد من الجهد أوالتضحية بشيء في سبيل النجاح والحصول عليه. بعد أن كتبت القائمة، صنف الخيارات مبتدءاً بالخيار ذو المميزات الأكثر والعيوب الأقل.
هذه الخطوة تحتاج لأن تكون صريحاً مع نفسك، في تقييم درجة صدق المميزات والعيوب التي وضعتها للخيارات. فأحياناً، نكون قد اتخذنا القرار لأسباب خفية، أو لأسباب لا نود الإفصاح عنها. ولأننا لا نرغب بالإعتراف، نعوض عن ذلك بمحاولة تكييف المميزات والعيوب لكي تتفق مع ذلك القرار. كل ذلك لإقناع وإراحة ضميرنا بأننا قمنا بالعمل اللازم للتأكد من صحة القرار. من الأمثلة على الدوافع الخفية، تفضيل جامعة على أخرى بسبب قربها من مدينتك ولأنها ليست الأفضل، تحط من قدر جامعات أخرى، في محاولة لإقناع النفس بأن سبب حب تلك الجامعة هو قوتها العلمية وليس لأنها قريبة من بلدك. الدوافع الخفية قد تكون مميزات أو عيوب، وعليك دراستها والتأكد من أنها مفيدة أو ضارة لك، ولكن لا تجعلها دافعاً لتلاعبك في المقارنة بين الخيارات.
تصل لهذه المرحلة، بعد أن تعرفت وفرزت الخيارات المتاحة لك، واستبعدت الخيارات الواقعة خارج حدود قدراتك، أو الأقل منها. أصبح لديك ملخص بمميزات وعيوب كل خيار، ولكنك تود سماع رأي محايد. الإستشارة، ستضيف لقائمتك أفكار وخبرات أشخاص آخرين. لا تبدأ بالإستشارة، إلا بعد تحضير بعض الأسئلة، أو وضع قائمة بعدد من الخيارات تود سماع رأي طرف محايد حيالها. فلعلك قد أغفلت جانب، أو غاب عنك خيار جيد. وحين تناقش الطرف الآخر، احصر حديثك معه حول الأمور الغير واضحة، والنقاط التي تحتاج إيضاح حولها، كي لا يتحول حديثه معك إلى نصائح عامة، لا تفيدك.
لأننا لا نعلم الغيب، ومهما بحثنا وفكرنا، فإن هناك فرصة لأن نتخذ القرار الخاطئ. سن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لنا صلاة الإستخارة، وهي ركعتين تصليها من غير الفريضة، وتسأل الله فيها التوفيق في الإختيار . وللسؤال صيغة مذكورة في حديث شريف، تقولها في السجود الأخير، أو بعد انتهاءك من الصلاة، وهي: +اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم. فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (سمي حاجتك) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (سمي حاجتك) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، وأقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به. ويسمي حاجته”.
تذكر أنه لا يوجد خيار يلبي جميع احتياجاتك. بعد أن أعطيت نفسك فترة كافيه من البحث والسؤال والتفكير، وصليت ركعتا الإستخارة، توقف، واعزم أمرك على أفضل ما وجدته من خيارات. وحتى إن شعرت بأنه قد لا يلبي جميع متطلباتك، ابدأ العمل عليه، ولا تلتفت للوراء، ولا تندم على خيار آخر. حقك على نفسك أن تبحث وتجتهد، وتسأل الله التوفيق، والله سبحانه وتعالى لن يردك خائباً.
حتى مع تطبيقك للخطوات السبع السابقة، قد تكتشف بعد فترة، أنك اتخذت قراراً لم يكن الأفضل، أو غيرت رأيك الذي بنيت عليه ذلك القرار، فماذا تفعل حينها؟
قبل أن تبدأ محاولة التغيير، تأكد من أن قرارك السابق خاطئ، وتعرف على درجة تأثير التغيير عليك وعلى من هم حولك. فكر بعقلك، لا بعاطفتك ولا تجعل الآخرين يؤثرون على حياتك. وتأكد من أن القرار خاطئ لدرجة لا تستطيع العيش معه.
الجميع يتخذون قرارات خاطئة، وهذه حقيقة، أنت لست أول من يخطئ، ولست الأخير. أحياناً خوفك واستعجالك بالتصحيح يتسبب في تعقيد الأمور، وربما يدفعك لإتخاذ قرار بديل كردة فعل، ويسير بك هذا القرار في إتجاه أسوأ مما أنت عليه الآن. هدئ أعصابك، ولا تبدأ في التفكير بحل المشكلة إلا بعد أن تصفي ذهنك، وتقيم الموضوع بشكل جيد.
الخطأ لم يكن في الشخص الذي استشرته فأنت من وثقت به وطلبت نصيحته، ولا في المصادر التي إعتمدت عليها، فأنت من اختارها وأنت من طبقها، وكذلك ليس الخطأ في أهلك وأصدقائك فأنت من سلمتهم مقود حياتك ليتصرفوا فيها كما يشاؤون.
هذا ليس بقصد البحث عن أعذار، بل لتتعلم من خطأك وتتجنبه مستقبلاً. خذ وقتك في التفكير، وأنظر لعملية إتخاذ القرار من كل زاوية. فالخطأ ليس في إرتكاب الخطأ، بل في عدم أخذ الدروس منه لتجنب تكرار الوقوع فيه.
ركز في بحثك على القرارات التي لن يترتب عليها تكلفة عالية. التكلفة العالية لا تقاس بالمال فقط، بل يمكن قياسها بكمية الوقت، الجهد أو العلاقات الشخصية المضحى بها.