جاسم الهارون

دليل الطالب الجامعي

الوظيفة والمسار المهني



يمكن تعريف الوظيفة بأنها أي عمل أو مهمة تقوم بها لنفسك أو لطرف آخر سواء أكان ذلك بمقابل مادي أو تطوعاً. فمثلاً، لو كنت مبرمجاً يمكنك العمل في شركة للإشراف على موقعهم الإلكتروني وتطويره، وبذلك أنت تحصل على راتب مقابل عملك هذا. وربما أستطعت أيضاً تصميم موقع خيري أو العمل على تطوير موقع ترفيهي لأصدقائك دون مقابل. وفي كلا الحالتين أنت كنت موظفاً. والوظيفة المجردة، في الغالب، عمل لا ينبني عليه تحدي لذاتك، أو قدراتك، وتطوير لمهاراتك وإكتسابك لمعرفة جديدة في مجال العمل. ففيها أنت تقوم بعمل روتيني، تكرار لنفس المهام، وفي نهاية الشهر أو عند إنجازك للعمل تمنح راتباً أو مكافأة.

أما المهنة، فهي سلسلة تتكون من الوظائف التي تشغلها خلال حياتك العملية، وفيها الكثير من التحدي، والتطور بإكتشاف أشياء جديدة في مجال العمل. ولذلك في الغالب، الشخص الذي يشغل وظيفة كجزء من تلك السلسلة، أو مساره المهني، فإنه يشعر بالرضا والسعادة من خلال قيامه بالعمل. وبالتالي تجده يفكر في العمل، ويكتشف أساليب جديدة ومطورة، ولديه قدرة عالية على إيجاد حلول للمشاكل الغير تقليدية في العمل. هناك عنصرين، إن وجدتهما في وظيفة تشغلها فإن هذه الوظيفة هي في الواقع مهنة وتشكل جزء من مسارك المهني:

الشعور بالإنجاز والتقدم، بمعنى أنك ستجد بأن معرفتك ومهاراتك التخصصية، تزداد وتتطور. قد تلاحظ بأنك ترتقي في السلم الوظيفي، وتجد بأن هناك مهام جديدة تسند إليك، وتتاح لك الفرصة في المشاركة في إكتشاف مكامن الخلل في آلية العمل وتطويرها. أما الوظيفة فأنت لا تشعر بأي تطور، فما كنت تفعله بالأمس، أنت تكرره اليوم.
وجود علاقة تخصصية بين مهام العمل، فالمهام التي تسند إليها كلها تصب في مجال تخصصي واحد. فمثلاً، تكون كلها عن تخصص عام كالهندسة أو الإدارة، أو في تخصص دقيق كإدارة المشاريع.
المهنة، يكون فيها هدف، وغاية، تسعى من خلال مجموعة من الوظائف للوصول إليها. بلوغ تلك الغاية، لا سيما وأن الطريق طويل وسيأخذ منك سنوات، سيوجب عليك التخطيط والعمل على إدارة مسارك المهني، بحيث لا تضيع الوقت في وظائف لاتخدم تقدمك الوظيفي.

المسار المهني:

خلال سنوات دراستك في الجامعة، ستدرس تخصصاً في الغالب سيكون عاماً، ويتناول جزئيات عديدة من مجالات العمل، أو المسارات الفرعية لذلك التخصص العام. فمثلاً، في المحاسبة، ستجد بأن معظم المواد الدراسية عبارة عن مسارات متخصصة للمحاسبين. فهناك المحاسبة الحكومية، المحاسبة الإدارية، المحاسبة الجنائية والتحقيقات، محاسبة التكاليف، نظم المعلومات المحاسبية، والتدقيق والمراجعة. وحين يتخرج الطالب من الجامعة، فإنه في الغالب، سيركز على أحد تلك المجالات في عمله، ويصبح متخصصاً فيه.

في بعض الجامعات، يكون خيار اختيار أحد تلك المسارات، متاحاً للطالب. وهذا إن تم، فإنه سيكون غير مهم وليس ذو تأثير على خطة سيرك الدراسية، حتى الفصول الأخيرة قبل تخرجك. لذلك في بداية سنواتك الدراسية في الجامعة، لا تشغل بالك كثيراً في مسألة اختيار المسار، ولكن في الوقت ذاته، لا تضيع أي فرصة لإكتشاف التخصص، ومعرفة فروعه، وما الذي يعمله كل متخصص في أحد تلك الفروع. فإكتشافك المبكر للمجال الذي ترغب العمل فيه، سيعني فرصة زمنية أطول للقراءة والتعرف على ذلك المجال، وحين يتناول المحاضر موضوعاً ذو علاقة بمجالك، تكون على دراية أكبر من بقية الطلبة بسبب ذكر الموضوع، وتطبيقاته العملية الواقعية.

أثناء سنوات دراستك، وحين تختار مساراً مهنياً افتراضياً، لا يعني أنك أصبحت ملزماً بالبقاء في ذلك المجال. من وقت لآخر، ومن خلال قراءتك واكتشافك لتخصصك العام، ستتغير نظرتك، وربما أحببت تخصصاً آخر، فلا مانع من التغيير والتعديل على الخطة، وتذكر بأن هذه الخطة هي افتراضية، مادمت في الجامعة ولم تباشر العمل. وتأكد أن الوقت الذي تقضيه في اكتشاف مجالات ومسارات تخصصك، ليس وقتاً ضائعاً، بل سينمي ويزيد من معرفتك بمجالك، وسيوفر لك فرص ذهبية للإرتقاء الوظيفي يحلم بها غيرك.

أساليب إدارة المهنة:

إدارة المهنة، هي تخطيط وتشكيل المسار المهني الذي ستتبعه، سواء أكان هذا التخطيط منك شخصياً أو من الشركة التي ستعمل لديها. بمعنى آخر، عندما تبدأ وظيفتك الأولى، أنت أو الشركة لديكم تصور عن الطريقة التي ستتطور بها وستحصل على ترقيات من خلالها. وفي حالات كثيرة، فور توظيفك يتم تقييمك، وتحديد المنصب الذي تريد الشركة أن تتقلده في المستقبل. ولو أخذنا دورة عمل طبيعية لخريج جديد فإنها ستكون تقريباً كالتالي:
- تدريب: فور التوظيف يتم تدريبه لمدة قصيرة ليتعلم آلية العمل ونظام الشركة.
- إشراف: بعد فترة التدريب، يتم إسناد أعمال للموظف تحت إشراف أحد الموظفين.
- تعليم: خلال سنوات العمل، سيتم إبتعاثه أو اشراكه في دورة تدريبية لتطوير مهاراته.
- تكليف: عندما يصبح لديه خبرة، يتم تكليفه للإشراف على مجموعة من الموظفين.

طبعاً ذلك يتم وفقاً لأساليب تعرف بأساليب إدارة المهنة. الشركات تتبع طرق مختلفة، ولعل أهم وأشهر تلك الأساليب:

1. الأسلوب التقليدي:

الأسلوب التقليدي هو أقدم هذه الأساليب، ويستخدم بشكل عام في معظم الشركات الضخمة، والهيئات الحكومية. فيه تتولى الشركة مسألة إدارة المسار المهني للموظف بشكل كامل. هي تحدد المسار، والوقت الذي سيقضيه الموظف في كل مرحلة، والتدريب اللازم لإنتقاله من مرحلة إلى أخرى. ويتم منح الفرص والعلاوات بحسب الخطط التي تضعها الشركة، وحسب توفر الموارد لديها، وكل ما على الموظف الإلتزام بتأدية المهام المنوطة به. وبطبيعة الحال إذا بقي الموظف يعمل في تلك الشركة مدى حياته المهنية، فإنه سيحصل على ترقيات ودخل يتزايد بشكل جيد إلى حين تقاعده.

2. الأسلوب الحديث:

الأسلوب التقليدي أصبح عبءً إقتصادياً على بعض الشركات، وبالتالي، ظهر أسلوب حديث، وفيه تكون شراكة في مسألة إدارة المهنة، بين الموظف والمؤسسة التي يعمل بها. الموظف لا يتوقع أن تقوم المؤسسة بإدارة مساره المهني بشكل كامل، بل إن الشركة ستوفر الأدوات والمصادر التي تساعد الموظف على تطوير نفسه ومهاراته. كأن يسمح له بأخذ إجازة للدراسة، أو الإنتقال لدائرة وظيفية أخرى بغرض إكتساب خبرات جديدة. ولكن إن لم يتحرك الموظف ويسعى لتطوير نفسه، فإنه لن يجد أكثر من العلاوة السنوية الإعتيادية. وهذا الأسلوب تتبعه معظم شركات القطاع الخاص في السعودية.

3. أسلوب البروتين:

كلمة البروتين هنا مأخوذة من بروتيوس، الأسطورة اليونانية صاحبة الأوجه المتعددة. في أسلوب البروتين يكون الموظف، وحده المسؤول عن إدارة مهنته، وبذلك هو المشرف على نفسه، يطور مهاراته، يدرب نفسه، ويغيير مهامه لإقتناص الفرص. معنى ذلك:
- وجود خطة واضحه، وهدف يسعى للوصول إليه.
- إمتلاك مهارات مختلفة تساعده على التكيف مع التغيير في مجال عمله.
- معرفة ما يحتاجه من دورات وتدريب لبلوغ هدفه.
- وسيبحث دائماً عن الفرص سواء في شركته أو في أي مكان آخر لتحسين وضعه ومساعدته على الوصول إلى طموحاته.

كيفية إدارة المهنة:

خلال حياتك المهنية، ستعمل في عدة شركات، وقد تجد بأن كل شركة لها أسلوب مختلف في إدارة المسار المهني للموظفين، فهناك شركة تقليدية وأخرى حديثه، وربما وجدت نفسك في شركة لا تعرف معنى المسار الوظيفي، ولا تستثمر في تطوير موظفيها. لذلك دائماً، افترض بأنك تتبع أسلوب البروتين، عندما تحدد مسارك وهدفك الوظيفي، حاول بقدر استطاعتك، إيجاد فرص التطوير سواءًا من خلال العمل، أو من خلال الدورات التدريبية التي قد تسمع عنها هنا أو هناك. إن لم يستثمر بك أحد، استثمر في نفسك، وتأكد من أن محصلة الاستثمار ليس الشهادة فقط، بل المعرفة التي ستفتح لك في المستقبل أبواب التطور المهني، والإرتقاء. ذلك لا يعني أن تكون صارماً مع نفسك، بل كن مرناً. في السنوات الأولى بعد تخرجك، لا مانع من أن تعمل في شركة بسيطة لتحصيل بعض الخبرة والمال. بشرط أن تضع هدفك أمام عينيك، وبمجرد قدرتك على تصحيح المسار، صححه. بناءاً على عمرك ومقدار الأداء المتوقع منك، يتمكن تقسيم حياتك المهنية إلى خمس مراحل، مبينة في الشكل التالي:

height=904

المرحلة الأولى: الإكتشاف (إلى منتصف العشرينات)

أثناء سنوات دراستك في الجامعة، لا بد وأنك تأثرت بشخص تعرفه أو بما قرأت وسمعت عنه، وبناءاً عليه اخترت بالميل لأحد مجالات العمل. وليس كل ما تسمع وتقرأ عنه صحيح، قد تخلق لدى نفسك أحلام وطموحات غير واقعية، وبتخرجك تصدم بالواقع. هذه الصدمة تتسبب أحياناً بمشاكل لدى الشركات ولدى الأفراد، بسبب اختلاف التوقعات بين الطرفين.

تذكر بأنك لا تزال في مرحلة التجربة والإكتشاف. الحياة أمامك، بإذن الله تعالى، طويلة وما تفعله الآن سيعينك في المراحل التالية، أو سيكون حملاً إضافياً تحتاج للعمل على تصحيحه. ستحتاج للتخطيط والدراسة، ومعرفة المعطيات لديك، لتقلل من إحتمالية وقوع الخطأ، ولكن لا تصب بالإحباط أو القلق في حالة حدوث الخطأ فهذا أمر طبيعي، ومن الأخطاء نتعلم.

المرحلة الثانية: البناء (إلى منتصف الثلاثينات)

مرحلة البناء تبدأ عندما تبدأ أول وظيفة في حياتك المهنية. وفيها تتعرف من خلال التجربة والمعايشة على الواقع. لاحظ أن مصدر المعلومات أصبح الآن تجاربك الخاصة، وليست من أطراف خارجية كمرحلة الإكتشاف. ستبدأ بحصد ثمار إجتهادك أثناء الدراسة، وسيشجعك ذلك أو يحبطك، كلا الشعورين مهمين فمن خلالهما سترتقي أو تصحح مسارك وفي كلا الحالتين ستزيد انتاجيتك. هذه المرحلة مهمة كونها الخطوة الأولى الحقيقية في حياتك المهنية، ومن خلالها تبني أساسات وخريطة مهنتك. طبعاً لا نغفل أهمية الإرشاد والتوجيه الذي توفره المؤسسات لك في هذه المرحلة، أو زملاء العمل من ذوي الخبرة، فستتعلم منهم الكثير من أسرار وطبيعة العمل، تلك المعلومات في الغالب لن تجدها في الكتب أو في الجامعات.

المرحلة الثالثة: منتصف العمر (إلى الخمسين تقريباً)

هذه المرحلة سيقابلك تقاطع للطرق، فأنت إما أنك ستواصل إرتقائك في مهنتك، ستبقى على ذات المستوى، أو أن مستواك المهني سينخفض. بداية، ستكون قد قضيت وقتاً طويلاً في سوق العمل وبالتالي لن يتم النظر إليك كمبتدئ، أخطائك لن يتم التغاضي أو التساهل معها من قبل رب عملك. وأيضاً ستوثر عليك الأمور التالية:
- ستلاحظ أنك وصلت لمرحلة ما يعرف بمنتصف العمر.
- ستلاحظ أنك مقيد بعناصر خارجية كالحاجة للإستقرار، تحد من قدرتك على الإنجاز.
- سيتضح لديك مدى إمكانية تحقيق أهدافك المهنية.
- ستتغير تركيبة عائلتك، فأبنائك يكبرون ويطالبونك بمساعدتهم لتحقيق أحلامهم.
- تقل قدرتك على التنقل من أجل العمل.
- تبدأ بالقلق حيال الأمن الوظيفي، وربما يصبح أكثر أهمية من التقدم المهني.
بالتالي تبدأ أولوياتك بالتغير، وكذلك أهدافك. وفي هذه المرحلة قد تغير من وظيفتك أو هدفك المهني ليتوافق مع التغير في الأولويات والأهداف.

المرحلة الرابعة: المرحلة الأخيرة (إلى السبعين)

هذه المرحلة إمتداد لمرحلة المنتصف. إن كان مستواك المهني يرتقي في السابق، فإنه من المتوقع أنك قد حققت جزءاً كبيراً من حلمك المهني. وغالباً ما ستقوم المؤسسة التي تنتمي لها بالإستفادة من خبراتك، بجعلك في منصب كمستشار. أما لو كان مستواك المهني مستقر أو ينخفض خلال مرحلة المنتصف، فإنك حين تصل للمرحلة الأخيرة ستشعر بأن الوقت قد فات على التصحيح، خصوصاً بأنه سيكون من الصعب عليك التنقل من أجل العمل أو الإنتقال لمؤسسة جديدة.

المرحلة الخامسة: الإنحدار

هذه المرحلة هي المرحلة الأصعب خصوصاً إن كنت من الناجحين خلال حياتك المهنية، فالناجحين يرون في التقاعد عن العمل خسارة لجزء مهم من حياتهم.


الصفحة التالية

كيف تحصل على وظيفة