جميع الأعمال أو التصرفات التي نقوم بها خلال حياتنا، مهما كانت ضخمة أو بسيطة، دافعنا للقيام بها الحاجة لتلبية إحدى الرغبات البشرية الست، وهي:
الرغبة الروحانية:
تقوية علاقتك مع ربك، طامعاً في رضاه ومغفرته وجنته، بأداء العبادات التي فرضها عليك. يميز هذه الرغبة أنك تستطيع إشباعها من خلال تأدية الواجبات الأساسية فيها، وإحسان النية عند القيام بعمل لإشباع الرغبات الأخرى.
الرغبة الإجتماعية:
تقوية الروابط الإجتماعية العامة والأسرية، وتكوين علاقات إجتماعية جديدة.
الرغبة البدنية:
الإهتمام ببدنك وصحته، وذلك بالتغذيه السليمه، الراحة، والرياضة.
الرغبة النفسية:
إهتمامك بصحتك النفسية من خلال الترفيه عنها، إحسان التعامل مع الضغوط، وتصفيتها من الغل.
الرغبة العقلية:
تنمية عقلك، وتوسيع مداركك وتطوير نفسك، بالقراءة والإطلاع ومجالسة العلماء ومناقشتهم.
الرغبة المالية:
تأمين مصدر مالي مستقر، يغنيك عن سؤال الآخرين والحاجة لهم.
هذه الرغبات الست، هي أيضاً أدوات للإستثمار، أي أنك تنفق من وقتك وجهدك في كل واحدة طلباً لعائد من نفس الرغبة أو من رغبة أخرى. فأنت تطيع الله وتلتزم بحدوده، طمعاً في رضاه وتوفيقه. وتقوي علاقاتك الإجتماعية، لأنك تعلم أن هؤلاء هم من سيقفون بجنبك عند الأزمات وسيساعدونك في تخطي الصعوبات. وتحافظ على صحتك البدنية والنفسية، كي لا تمرض أو تصاب بمشاكل نفسية. وتبذل جهداً في تقوية قدرتك العقلية وتوسيع مداركك، لأنك تدرك بأنك بعقلك ستدير حياتك، وتشق طريقك للنجاح. وكذلك، المال كلما احسنت استخدامه كلما نما وبقي لك ذخراً لليوم الأسود. وفي الوقت ذاته، يمكنك إنفاق المال وصلة الأقارب، دون أن تفعل ذلك متوقعاً عائداً مادياً أو تعاطفاً منهم بل تقوم بذلك إرضاءاً لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الإخلاص.
عملية العطاء هذه هي الثمن الذي تدفعه، لتأخذ لاحقاً الأدوات التي ستشق بها الطريق لتحقيق أهدافك في الحياة. لو طبقنا هذا على مثال الدور في الحياة الذي تحدثنا عنه سابقاً، وكان (مساعدة العاطلين عن العمل بالمساهمة في تقليص نسبة البطالة وإيجاد حلول لها). ستجد بأنك، ستحتاج لتوفيق الله أولاً وآخر، ستحتاج للعلاقات الإجتماعية والدعم من أسرتك، وبالطبع لبلوغ الهدف يجب أن تكون صحتك البدنية والنفسية على أحسن ما يرام، ولإيجاد حل مبتكر لم يسبقك إليه أحد لمشكلة البطالة ستحتاج لعقلك، وبالمال ستؤسس المشروع وتنميه. وإن لم تحافظ على علاقاتك الإجتماعية من البداية، أو لم تبدأ بتوفير المال مبكراً، أو لم تجتهد في الجامعة، فبلوغك للهدف لوحدك ودون مساعدة من الآخرين سيكون صعباً، إن لم يكن مستحيلاً.
التوازن في تلبية هذه الحاجات الست أمر مهم. لأنه حتى في أشرف هذه الحاجات وهي الحاجة الروحانية، نهينا عن المغالاة في التعبد، لدرجة تقطع صلتنا بالأقارب، وتجعلنا نهمل صحتنا، ولا نعمل للكسب فنصبح عالة على الأخرين.
الرغبات الست السابقة، لها حد أدنى نزولك تحته يعني أنك مفرط، أي أنك لم تعطها حقها. وكذلك لها حد أعلى، صعودك فوقه يعني أنك مبالغ في إهتمامك بتلك الرغبة مما قد يعني بأنك قد فرطت في حقوق ورغبات أخرى. نجاحك في الحياة، مقرون بإلتزامك بالحد الأدنى للحاجات الست، حتى عندما تكون في قمة الإنشغال والعمل في المجال الذي تهدف للبروز فيه في مرحلة من مراحل من حياتك.
حددت حدك الأدنى لكل رغبة، وبدأت تمارس حياتك بشكل طبيعي، ولكن فجأة حدث تعارض بين رغبتين. مثلاً، أنت الآن طالب في الجامعة، أثناء تحضيرك للمحاضرة القادمة في مكتبة الجامعة، وردك إتصال من صديق يطلب منك مرافقته للسوق لشراء بدلة. هل تواصل دراستك وتعتذر منه، أو تذهب معه للسوق. هل سيتغير جوابك، لو كانت دراستك لإختبار سيكون في اليوم التالي؟ ماذا لو كان الذي تغير هو الصديق، فكان الإتصال من والدك؟ أو ماذا لو كان إتصال صديقك بخصوص تعطل سيارته على الطريق السريع، وأنت الصديق الوحيد له في المدينة؟
لنأخذ مثالاً آخر، أنت طالب في الجامعة، للتو أنهيت من مراجعة دروسك، وباقي لديك ساعتين قبل موعد نومك المعتاد، تعلم أن أصدقائك مجتمعين لدى جارك في السكن، هل تذهب لهم؟ أو تنام مبكراً هذه الليلة؟ الجواب الصحيح لما سبق، يعتمد على معرفتك وترتيبك لأولوياتك.
إدارة حياتك بنجاح يعني أنك ستلبي الحد الأدنى للرغبات الست، وفي نفس الوقت ستبرز في واحد منها على الأقل، وذلك حسب المرحلة التي تعيشها في حياتك. الحد الأدنى ومعنى البروز، أنت من يعرّفه، وفقاً لما تؤمن به وتطمح لتحقيقه. مثال على ذلك:
الرغبة | الحد الأدنى | التفريط | الإفراط | الهدف الحالي |
---|---|---|---|---|
الروحانية | أركان الإسلام الخمسة | الضلال | الغلو والتشدد | الإلتزام بالدين والمحافظة على بعض السنن |
الإجتماعية | الإتصال بالأقارب أسبوعياً | قطع الرحم، العقوق، والعزله | العيش من أجل الآخرين | المحافظة على العلاقة مع الأقارب والأصدقاء |
البدنية | الوجبات اليومية والمشي نصف ساعة | المرض | السمنة أو الهوس بالجسد | التفوق في إحدى الألعاب |
النفسية | الإسترخاء وعدم الحقد على أحد | مشاكل نفسية | عدم المبالة | الهدوء والحكمة |
العقلية | القراءة بإستمرار وتحدي العقل للتفكير | الجهل والتخلف | الإنقطاع عن الواقع | الخبرة والمعرفة في أحد التخصصات |
المالية | دخل ثابت يغطي المصاريف الأساسية | الفقر | المادية والبخل | إنشاء مشاريع ناجحة |
لتستطيع التعرف على أولوياتك، يتوجب عليك أولاً، التعرف على الواجبات المطلوبة منك. ولا أعني بذلك الواجبات الدراسية فقط، بل أيضاً واجباتك تجاه ربك، وتجاه أسرتك وأصدقائك، ولا تنسى واجباتك تجاه نفسك. من الأمثلة على هذه الأعمال التالي: في الجامعية ستكون الأعمال مثلاً، كتابة تقارير، تحضير قبل إختبار، زيارة المدرس لسؤاله. ومع الأسرة، الذهاب للسوق مع الوالدة، زيارة عمي، أو تبادل الأحاديث وشرب القهوة مع الوالد. واجباتك تجاه نفسك، أخذ قسط كافي من النوم، الأكل الصحي، والراحة. وأما واجباتك مع أصدقائك، فقد تكون زيارة المريض منهم، الخروج أو السمر عند أحدهم.
سيساعدك في تحديد تلك الواجبات: معرفتك بالحد الأدنى للرغبات الست، والمرحلة التي تمر بها خلال حياتك. فكونك طالب في الجامعة الآن يعني أن الدراسة والمراجعة، ستكون هي الأولوية رقم واحد مع المحافظة على الحد الأدنى لبقية الأولويات. بعد تخرجك سيتغير حالك، وربما تصبح العلاقات الإجتماعية، أو توفير مصدر للدخل هي الأولوية رقم واحد. وفي حالة مرض صديق قريب، لا قدر الله، قد يصبح هو الأولوية الأولى.. وهكذا.
عندما تتوقف في أي لحظة في حياتك، ستجد أن الأعمال المطلوب منك أدائها، يمكن تقسيمها إلى أربعة أصناف، بحسب أهميتها ومدى قرب موعد تسليمها. هذه الأعمال إما أنها مهمة وعاجلة، أو مهمة وغير عاجلة، غير مهمة وعاجلة، وغير مهمة وغير عاجلة. قياس الأهمية يكون بمعرفتك لأولوياتك، ففي الجامعة، الواجب الدراسي في الغالب سيأتي قبل أي شيء آخر. وبعدها تأتي بقية الأولويات التي قسمتها أنت بحسب أهميتها لديك، فقد تقول بعد الجامعة تأتي الأسرة، ثم الاصدقاء، ثم نفسي. سيكون هذا حالك في الأحوال الطبيعية، وعندما لا يكون هناك حالة طارئة تغير ترتيب الأولويات. ففي حالة المرض مثلاً، ستصبح النفس هي رقم واحد، والمقدمة على الجامعة وبقية الأولويات، إلى حين الشفاء، وفيها تعود الأولويات إلى ما كنت عليه قبل المرض. وكذلك الحال عند موعد الصلاة، تصبح العبادة هي الأولوية رقم واحد، فتترك جميع أعمالك لتذهب وتصلي. وبعد إنقضائها تعود أولوياتك لما كانت عليه قبلها. ويمكننا تلخيص ما سبق في جدول من أربع خانات، يعرف بجدول أيزنهاور:
العمل | عاجل | غير عاجل |
---|---|---|
مهم | ملعب الطوارئ الصلاة المفروضة، تسليم تقرير دراسي الآن، موعد وجبة الطعام، صديقك الذي لا يعرف غيرك تعطلت سيارته. |
ملعب الإبداع حل واجب الغد، قراءة الكتاب والتحضير للحصة القادمة، التسوق لحلويات تريدها أمك بعد أسبوع. |
غير مهم | ملعب الخداع صديق يريد منك تجربة مطعم جديد معه، زيارة مفاجأة من أحد أقربائك، جارك يطلب منك مساعدته. |
ملعب الضياع قراءة رواية غير مفيدة، التمشي في السوق بحثاً عن تخفيضات، الإتصال بصديق لإختيار مقهى تذهبون إليه. |
الأعمال العاجلة، هي الأعمال المطلوب منك العمل عليها وتسليمها الآن. والغير عاجلة، مهام يمكننا العمل عليها بقصد تخفيف كمية وتراكم الأعمال مستقبلاً. لأنه ومع مرور الوقت سيأتي موعد تسليم مهمة غير عاجلة، وبالتالي ستنتقل إلى مربع المهام العاجلة.
لقياس قوة إدارتك لوقتك، لاحظ في أي المربعات تقضي معظم يومك، اسم هذا الملعب سيمثل حالتك مع إدارة الوقت. فالمبدع، يقضي معظم وقته في مربع الإبداع، لأنه يمتلك تصور واضح عن الواجبات القادمة، وينتهي منها قبل موعد تسليمها، أي قبل تحولها إلى مهام طارئة وعاجلة. وبالتالي يكون ملعب الطوارئ لديه شبه فارغ، فبمجرد إنتقال مهمة إليه، يكون قد سبقها بالعمل وأنجزها ليسلمها عند موعدها. وفي هذه الحالة، لو حدث طارئ حقيقي له، تجده يمتلك الوقت للعمل عليه وإنجازه، دون أن يؤثر على سير حياته. بعكس من يعيش في مربع الطوارئ، الذي يترك الواجبات للحظة الأخيرة، فهذا أي طارئ حقيقي يدخل عليه، يبعثر أوراقه ويجعله يعيش حياته تحت الضغط، قلما يخرج منه بدون أي تأثير على أدائه وتنفيذه لأعماله المهمة.
ملعب الخداع، هو مربع الطوارئ الخداعة، تأتيك فجأة وتحتاج منك لأن تتصرف بسرعة. فتشعر بوجوب قطع ما تعمل عليه، لتنتهي منها. معظم هذه المهام تأتيك، من بعض الأقارب أو الزملاء، سواء على شكل زيارة مفاجئة، أو بطلب مساعدة وخدمة. المشكلة في هذا المربع، أنك لو استجبت لهذه الطوارئ الخادعة، وأضعت وقتك فيها. ستبدأ مهام من مربع الإبداع، بالإنتقال إلى ملعب الطوارئ الحقيقة، فواجباتك لن تحل نفسها. وهذا مايحدث لدى الكثير ممن لا يحسنون إدارة أوقاتهم.
الخلاصة، حاول أن تبقى معظم يومك في مربع الإبداع. عندما يأتيك أمر طارئ، تأكد هل هو طارئ حقيقي أو مخادع، استجب للحقيقي، ولو شعرت برغبة ملحة للإستجابة للمخادع، تأكد من أنك لا تفعل ذلك على حساب واجب يجب تسليمه قريباً، وأنك ستحتاج لتعويض هذا الوقت لاحقاً.