قبل عدة أسابيع اتصل بي أحد زملاء الدراسة القدماء، وبعد التحية سألني إن كنت أملك ساعة ليحدثني فيها عن مشروع مهم، يريد عرضه علي، وأردف بأن المشروع عاجل ولا يمكن تأجيل عرضه علي. ومع إصراره اتفقت على مقابلته مساء ذلك اليوم في أحد المقاهي.
بعد وصولنا، أخرج لي كتاباً، وبدء بالقول “الحياة العصرية مليئة بمسببات الأكسدة، دخان السيارات، التدخين، الوجبات السريعة، وغيرها… ماهي الأكسدة؟”. وبدأ بعدها الحديث عن آثار الأكسدة، وكيف أن هناك فاكهة وسماها “أقوى فاكهة في العالم” تساعد على الوقاية من أضرار الأكسدة. وبدء بسرد إحصائيات لا مصدر لها، ثم بدء بذكر قصص تجارب شخصية له ولعدد من أصدقائه واستشهد بها على فوائد عصير هذه الفاكهة. هنا أوقفته وقلت له بأني لا أصدق معلومات بلا مصدر أو تجارب شخصية، خصوصاً التجارب الشخصية لمن يحاول تسويق منتج لي. وبعدها سألته، نحن هنا للحديث عن مشروعك المهم، هل العرض السابق له علاقة بمشروعك؟ قال: “نعم.. نعم، اصبر معي لحظة لأكمل لك شرح الفكرة”. وأكمل الشرح، ودعاني لشراء العصير الذي تبلغ قيمة 2 ليتر منه (400) ريال.. نعم ريال وليس هللة، أو الإنضمام للشركة المسوقة للعصير، كمسوق جديد.
ولكي أنظم للشركة كان عليه أن يشرح آلية عمل الشركة، وعندما بدء بالشرح، أوقفته وقلت له: “هذه شركة تستخدم نظام الهرم، Pyramid Scheme، وهو نظام فيه غش وخداع ومحرم قانونياً في معظم دول العالم”. قال: “لا، الشركة لا تستخدم نموذج الهرم، ولكنها تستخدم نموذج التسويق الشبكي، وهو أحدث الأنظمة في التسويق”. وعلى الرغم من أن ما كان يشرحه أمامي هو نموذج هرمي 100%، إلا أن عدم معرفتي بتعريف التسويق الشبكي، جعلني أصمت واستمع لبقية شرحه.
بعد عودتي للبيت بدأت البحث عن الشركة التي دعاني صديقي للإنضمام إليها، وكذلك بدأت القراءة عن التسويق الشبكي والتسويق الهرمي، وعن الفاكهة التي تحدث عنها. حقيقة عثرت على معلومات مهمة، وكان أهمها عدد المشتركين النشطين في تلك الشركة، وكمية ما يكتب عنها وعن العصير، وتطابقه العجيب، وكأن المسوقين تم تحفيظهم لعبارات تسويقية، يتوجب عليهم تكرارها بالنص دون أي تعديل. عثرت أيضاً، على معلومات متعلقة بالأنظمة الهرمية للتجارة، والتسويق الشبكي، ونظام بونزي. شعرت بأن هذه المعلومات مهمة، ويتوجب علي نشرها وبالتالي صغتها في هذه السلسلة والتي ستتناول ثلاث محاور رئيسية، وهي:
- المخاطرة والعائد على الاستثمار.
- أشهر أنظمة الإستثمار الاحتيالية، وكيف تميزها من أنظمة الإستثمار الحقيقة.
- رد ودراسة مختصرة لشركة بيع العصير السابقة.
لم أكمل الحلقة الأخيرة بعد، وبالتالي قد يكون هناك تعديل في التوزيع لاحقاً.
حلم الثراء السريع، على الرغم من إيقان الكثير منّا بأنه مستحيل بالطرق القانونية أو الشرعية، إلا أننا وفي حالات كثيرة نركض كالمجانين خلف من يزعم قدرته على تحقيق ذلك الحلم لنا. “بدون أي جهد، وبدون أي رأس مال ستصبح مليونير خلال فترة قصيرة”، الجملة السابقة وغيرها مما اختلف في اللفظ واتفق في المعنى، لا بد وأنك قد سمعتها في مكان ما، أو ستسمعها قريباً.
أي استثمار سواء أكان استثمار مادي، أو فكري، أو جسدي، مصيره النجاح أو الفشل. ضمان نجاح مشروع أو فشل آخر، موضوع خارج يد أي شخص، ما يفعله المحللون الماليون، هو دراسة للمخاطر التي قد تؤدي إلى فشل المشروع، لحصر هذه المخاطر ومعرفة النسبة التقريبية لإحتمالية وقوعها. وعادة ما تتم هذه الدراسة عندما يكون لدى المستثمر عدة مشاريع ويرغب بإختيار أحدها. فيتم حصر العوائد التقريبية وخطورة، أو احتمال فشل، كل مشروع. وبعدها يتم مقارنة المشاريع للتعرف على أفضل المشاريع من ناحية قلة الخطورة مع مناسبة العوائد مع هدف المستثمر.
مثلاً، لو فرضنا أن لديك مائة ألف ريال، وكان لديك ثلاثة مشاريع استثمارية تود اختيار احدهم. الخيار الأول: الإستثمار طويل الأجل في سوق الأسهم، الخيار الثاني: المضاربة في سوق الأسهم، الخيار الثالث: افتتاح بقالة صغيرة. وسنضيف لهم خيار مهم قد يغفل عنه الكثير، وهو أنك لن تفعل شيء، أو أن تضع المال في حساب بنكي. ستكون المقارنة كالتالي:
لا بد وأنه قد أصبح لديك تصور عن أنسب المشاريع لديك. فالإستثمار طويل الأجل في سوق الأسهم يعني نسبة بسيطة من الأرباح، ونسبة خطر أو خسارة منخفضة. ولديك خيار أن لا تفعل شيء بنقودك وتجعل البنك يحتفظ بها لك، لن تربح أي شيء من إبقاء نقودك في البنك، وكذلك نسبة الخسارة شبه معدومة. تبقى لديك خيارين، وكلاهما سيكون مردودهما عال، الأول وهو المضاربة في سوق الأسهم، ومن خلاله ستحصل على عائد تقريبي نسبته 50% من رأس المال خلال خمس سنوات، مع نسبة لخسارة رأس المال مقدارها 50%. والخيار الأخير في افتتاح بقالة، من خلالها ستعيد 75% من رأس مالك خلال خمس سنوات، ونسبة فشلك المترتب على إرتفاع الإيجار يعادل 40% تقريباً.
في الحالات الطبيعية، العلاقة بين العائد على الاستثمار والمخاطرة علاقة طردية. فالإستثمار الذي يحتوي على مخاطرة عالية، من الطبيعي أن يكون المردود من ورائه عال. وهذا اسلوب طبيعي نتعامل به جميعاً في حياتنا وتعاملتنا، فلو كان عندي مشروع نسبة خطورته منخفضة، وكنت ابحث عن ممول، فمن الطبيعي أن لا أعطيه أسهم كثيرة من الأرباح. فالربح شبه المضمون، ستجد آلاف الممولين له. بينما لو كان مشروعي خطير، ونسبة فشله عاليه، لن أجد من يشاركني، وبالتالي سأضطر للتنازل عن نسبة من الأرباح لإغراء ممول بقبول تمويل مشروعي.
بالتالي، يمكنك استخدام هذا المقياس للتعرف على المشاريع ودرجة خطورتها. فحين يأتيك شخص ويذكر لك عن مشروع أرباحه عالية جداً، تأكد من أنه مشروع خطير، أو أن هناك سر يحتاج أن تبحث عنه وتتعرف عليه. وتذكر دائماً، أنك لست مجبراً على الاستثمار، فأحياناً، قد تكون الخيارات المتاحة لديك يترتب عليها نسبة مخاطرة عالية وربح بسيط، وبالتالي سيكون أفضل الخيارات أن لا تفعل شيء.