جاسم الهارون

المدونة



في أحد البلاد البعيدة كان هناك ستة أشخاص عميان، سمعوا بالفيل، وقرروا أن يذهبوا لمعاينته والتعرف عليه. وعندما وصلوا للمكان الذي يعيش فيه الفيل. حدث أن توقف كل منهم عند أحد جوانب جسد ذلك الفيل. الأول تحسس بطن الفيل وقال، الفيل حيوان يشبه الجدار. الثاني وقعت يده على ناب الفيل، فقال الفيل عبارة عن رمح كبير. الثالث، تصور أن الفيل عبارة عن حية، بعد أن تلمس خرطومه. صرخ الرابع، الفيل عبارة عن شجرة، بعد أن اختبر أرجل الفيل. أما الخامس، فلمس أذن الفيل وقال الفيل عبارة عن مروحة يدوية كبيرة. أخيراً السادس الذي وقعت يده على ذيل الفيل إقتنع أن الفيل يشبه الحبل.

بعدها، حاول كل شخص منهم إقناع الآخرين بأن ما اكتشفه هو الصواب. قال الأول: “الفيل جدار ولا شيء غيره”، قاطعه الثالث: “لا.. لا يمكن أن يكون جداراً فهو طري ويتلوى كالحية”.. الرابع قال: “الأول لا يعرف أن يوصف، هو ليس جدار بل هو شجرة إسطوانية صلبة”.. وهكذا استمر الستة بالمجادلة ولم يتمكنوا من معرفة ما هو الفيل حقاً!

ذكرت هذه القصة في عدة ثقافات كما تذكر ويكيبيديا، في الأدب البوذي، الهندوسي، التصوف الإسلامي، الأدب الإنجليزي، وأخيراً في علم الإدارة الحديث. من القصة يمكن استنباط أن جميع الأشخاص الستة مصيبين فيما ذكروه حيال خصائص الفيل، فجميع تلك الخصائص تمثل جزءاً من الفيل، ولكن الخاصية لوحدها لا تمثل الفيل. جسد الفيل كالجدار، وخرطومه كالأفعى، ورجله كجذع الشجرة، وفي الوقت ذاته، الفيل ليس جداراً، أو أفعى، أو شجرة. كذلك يمكن أن نرى أن تعصب العميان الستة لآرائهم، جعلهم يصمون آذانهم عما يقوله الآخرون. فالواحد منهم لا يرى من الفيل إلا ما سبق له إكتشافه واستوعبه بعقله، دون أن يعطي الآخرين فرصة لإبداء الرأي، والإفتراض بأن رأيه قد يكون خاطئاً. وفي النهاية فرأي العميان كمجموعة، كان أقرب للصواب من رأي كل واحد منهم مستقلاً.

كان ذلك عن إعطاء الآخرين فرصة ليعبروا عن آرائهم وعدم التصعب للرأي، ولكن قصة فيلنا هذه تحمل بعداً آخر. ففي علم الإدارة الحديث تستخدم قصة الفيل لتوضيح الفرق بين العملية (Process) الخطة (Plan) والإستراتيجية (strategy)، وقبل أن نرى كيف ذلك، لنتعرف على هذه المصطلحات وعلاقتها ببعض:
- الإستراتيجية هي “خطط واساليب توضع لتحقيق هدف معين على مدى بعيد، بإستخدام الموارد المتوفرة في الوقت الحاضر أو على المدى القصير”.
- الخطة هي “خطوات لبلوغ أهداف محددة مع ضمان الإستفادة القصوى من الموارد المتوفرة”، وفي الغالب الخطة تكون لبلوغ هدف على المدى القريب.
- العملية هي “استخدام الموارد المتوفرة لتحوير مورد أو أكثر، أو دمجها، لإنتاج موارد جديدة”.

يمكنك أن أن تلاحظ أنك في البداية يجب أن يكون لديك هدف تصيغ استراتيجيك من أجل بلوغه. ولكي تضمن وصولك لذلك الهدف، دون أن تتكبد تكاليف، وخسائر أكثر من اللازم، ستحتاج لخطط، ولتحقيق كل خطة سيكون عليه وضع آليات وعمليات للعمل على الموارد المتاحة لديك.

الفيل من القصة يمكننا أن ننظر إليه في الإدارة، على أنه الإستراتيجية، وأجزاء الفيل هي الخطط. فالموظف بسيط، كأحد أولئك العميان الستة، لا يرى من الفيل إلا رجله أو أذنه. وإذا لم يحاول فهم الإستراتيجية الخاصة بالمنظمة التي يعمل فيها، لن يستوعب الفيل ككل، ولن يرى الصورة الكبيرة. وبالتالي لن يتمكن من معرفة ما هو المهم في عمله، ولماذا يقوم بالعمل وفقاً لطريقة ما دون أخرى. والأسوء أنه قد يظن بأن عمله الذي يقوم به، لا يخدم ولا يضيف شيئاً لمساعدة المؤسسة في بلوغها للإستراتيجية.

التواصل يجب أن يكون جيداً، ولا يكفي أن تكتب الإستراتيجية وتشرح لمن هم في الإدارة العليا، دون أن يُحمّل كل مدير مهمة تحويل تلك الإستراتيجية إلى خطط قصيرة المدى، ويوضح للعاملين مكانهم ودورهم في هذه الإستراتيجية. وإلا فالنتيجة ستكون، عدم فهم الأدوار، وعدم التعاون بين الموظفين، فكل منهم أعمى لا يرى ما بين يديه، عوضاً عن يستوعب دور زميله، وأهمية مساعدته له.