تحديد التخصص المناسب قد يبدو قراراً بسيطاً تتخذه أثناء تعبئة استمارة القبول في الجامعة، تسأل زميلك عن رأيه في أفضل تخصص، أو تنسخ إجابات زميلك، أو ما تعارف عليه أصدقائك بأنه أسهل تخصص، أو التخصص الذي عليه أكثر طلب في سوق العمل. لو فعلت ذلك، فهناك فرصة كبيرة بأنك دخلت في التخصص الخاطئ. إختيار التخصص قرار تتخذه اليوم، وتعيش معه لبقية حياتك، ولذلك لا يجب أن تتعامل معه كتعاملك مع طلب وجبة من مطعم أو أي مشروب غازي تود شراءه. وقد لا أكون مبالغاً حين أقول أن أحد أكبر الأسباب المؤدية لإنسحاب الطلبة من الجامعات أو تردي مستواهم هو إختيار التخصص الخاطئ.
التخصص ليس لتحديد مجال عملك في المستقبل فقط، بل شكل وطريقة حياتك. فلتتميز في مجال عملك وتخصصك، يجب أن تكون محباً لمجال العمل الذي تتخصص فيه. فأنت حين تدرس تخصص ما، أنت توقع عقداً بأنك يجب أن تستمر بدراسة والبحث والعمل في مجال هذا التخصص لبقية حياتك. فالعلم يتجدد بشكل سريع، ولو توقفت عن القراءة والبحث في مجال تخصصك لأربع سنوات ستعتبر جاهلاً في تخصصك. أنظر مثلاً للطبيب يحتاج ليقرأ بشكل دوري عن ما إستجد من الأدوية والعمليات الجراحية. أو المهندس يحتاج ليعرف عن العمليات الصناعية الجديدة والتي توفر على المصنع الذي يديره المال والوقت في الإنتاج.
لكي تختار تخصصك الجامعي تحتاج لثلاثة أشياء:
- تحتاج لكشف نفسك، قدراتك وميولك.
- تحتاج لتتعرف على التخصص، وطريقة ونوعية المعلومات المعروضة فيه.
- تحتاج لتتعرف على الفرص الوظيفية المتاحة للخريجين في هذا التخصص، عددها التقريبي وموقعها.
لا نختلف على شان كلاً منا ليه ميوله، وقدراته الخاصة التي حباه بها الخالق سبحانه وتعالى. وسترى هذا واقعاً أثناء سنوات دراستك، ستستمع لتذمر طالب بعد خروجه من الإختبار ليقول أن الإختبار معقد، وآخر يقول لك بعد أن خرج من ذات الإختبار انه كان مباشراً وسهلاً. أيضاً ستلاحظ أن البعض دائم التشكي من صعوبة تخصصه وكيف أنه ممل وأنه لا يستطيع الصبر إلى وقت تخرجه. بينما آخرون تشعر بتلذذهم للدراسة، وتجدهم دائماً في المكتب أو المعمل أو يسألون المدرس حول مالم يستوعبوه.
نحن هنا لا نتحدث عن النوابغ، والطلبة العباقرة، بل عن عامة الطلبة. فأنت حين تتعرف على قدراتك وميولك حتى وإن كانت المادة صعبة وتحتاج منك لوقت طويل للقراءة والتركيز، ستتمكن من قضاء هذا الوقت دون أن تشعر بالملل. فهذا التخصص يمكننا القول عنه، أنه هوايتك التي تمارسها بشكل رسمي.
قدراتك وميولك أنت أدرى الناس بها، كبداية بعد تخرجك من المرحلة الثانوية، لا بد وأنك حصلت على تصور مبدأي عن أي المواد تلك التي تشدك للقراءة حولها وتستمتع بعمل ذلك، أيضاً تعرف المواد التي تشعر بأنك تستوعبها بشكل سريع. إن كنت تشعر بأنه لا فرق هناك بين المواد، فكلها بنفس درجة الصعوبة، وتميل لها بنفس الدرجة، لا تقلق. من خلال النقطتين التاليتين ستتعرف على التخصص، ومجال العمل بعد التخرج لذلك التخصص. ومن خلالهما ستتعرف إلى اي التخصصات تميل.
في الجامعة تختلف طريقة التدريس، ونوعية التعليم من تخصص لآخر. بل حتى لنفس التخصص قد تختلف نوعية وطريقة المعلومات من جامعة لأخرى. معرفة نوعية المواد الدراسية وطريقة التدريس لكل تخصص ستعينك كثيراً على تحديد التخصص الأقرب لنفسك. مثلاً هناك تخصصات تركز على التطبيق العملي وتهيئتك للتعامل مع حالات مشابهة لما تدرسه في المنهج، وعلى النقيض هناك تخصصات تركز على النقاش والحوار لأن الحالات غير متطابقة، ولكنها متشابهة.
بشكل عام، التخصصات الإدارية، دائماً الإجابة على أي سؤال غالباً ما تكون: “يعتمد على الحالة!”. التفوق في هذه التخصصات يكون بقدرة الشخص أو الطالب المتخصص على تحليل الحالة، والربط بين المعطيات، وإقتراح حلول مبتكرة، جديدة، وفعالة. على النقيض من ذلك، التخصصات الهندسية، الإجابة غالباً ما تكون محددة. فأنت لديك معطيات تؤدي إلى نواتج. التفوق في هذه التخصصات يكون بقدرة الطالب على تذكر الحلول والمفاضلة بينها لتنفيذ الأفضل والأنفع للعمل. وهكذا هو الحال مع بقية التخصصات.
أفضل ما قد يرشدك هنا، هو سؤال الطلبة القدامى عن التخصص. إسأل عدة طلاب وأستمع لما يقولونه لك، وتذكر دائماً أنك غالباً ما ستتواجه مع طالب يدرس في تخصص خاطئ لذلك ستستمع لبعض الطلاب يتذمرون ويشتكون لك. لا تستمع لهؤلاء.
الخطوة الثالثة والأخيرة هي بمعرفة فرص العمل المتوقعة بعد التخرج. لا نختلف في أن الأرزاق بيد الله تعالى، ولكن من الأخذ بالأسباب واجب. خصوصاً وأنك حتى لو قررت التخصص في مجال معين، قد تكون الفرص الوظيفية أكبر ومجال العمل أكثر راحة، لو إخترت تخصصاً فرعياً. فهناك الكثير من التخصصات التي تتشابه في المواد الدراسية، وقد تكون تدرس تحت نفس الكلية، ولكن الفرص الوظيفية تختلف تماماً. فمثلاً في الهندسة يمكنك دراسة الهندسة الميكانيكية التطبيقية، أو الهندسة المكيانيكية النظرية. أو تدرس علوم الحاسب الآلي أو هندسة الحاسب الآلي.
لتتعرف على كافة المعلومات المتعلقة بالوظائف، أفضل من يملك الإجابة هم الطلبة الحديثي التخرج. حاول التواصل معهم وسؤالهم حول جو العمل، وتوقعات المستقبل. أيضاً قد يفيدك الموجه الأكاديمي الخاص بك، لو كانت الجامعة توفر لك واحداً.