كنا قد أنهينا في المقال السابق التعريف بريادة الأعمال، وخلصنا بأنها صفة للشخص وليست للمشروع، وبأنها يجب أن تنبع وتحفز من الذات. حس الريادة يتواجد مع الشخص كسمة شخصية، و الشخص مسؤول عن تنميتها من خلال التجارب والإقدام وتحدي الذات أو كبتها. ولكن بطبيعة الحال، الريادة من الصفات التي تحتاج للممارسة والتجربة لإتقانها.
خذ مهارة كالسباحة مثلاً، قد تعرف قواعد الفيزياء المتعلقة بالطفو، وربما تقرأ كتب وتشاهد أفلام تعلمك السباحة، ولكن ما لم تمارس السباحة فعلياً، وتتعرف على التحديات التي لم يكتب عنها، أو يذكرها لك المدرب فلن تتقنها . والسباحة في بركة صغيرة تختلف عن مواجهة أمواج المحيط. بل هناك من يقول بأنك لن تتقن السباحة حتى تغرق مرة على الأقل!
إنطلاقاً مما سبق، القراءة والبحث والإطلاع على تجارب الآخرين مفيدة، ستساعدك على رؤية الفرص، وتوقع التحديات واقتراح حلول ولكنها لن تكون كافية، ستكون أفضل حالاً ممن لم يقرأ ولم يجرب، ولكن لن تكون أفضل ممن جرب. وهذا يدعوك لأن تتذكر دائماً أن تبقى متواضعاً، ومنفتحاً للتعلم والنظر في تجارب الآخرين مهما كانت بدائية أو بسيطة في نظرك.
في هذا المقال سأستعرض معك أمور تساعدك على التحضر لاقتناص الفرص، إن لم تكن قد بدأت مشروعك، أو لم تحدد ما هو مشروعك بعد. فلو كنت الآن طالباً في الجامعة، أو موظفاً في شركة، أو تبحث عن عمل، وتشعر بأنك تمتلك روح الريادة ولكن لم تنتهي من بناء الفكرة. أو تشعر أن الوقت لم يحن لتبدأ مشروعك. ستفيدك النقاط المذكورة في المقال على استثمار وقتك للبدء بالتحضيرات التي ستساعدك على بناء فكرتك، وايجاد الداعمين، واكتساب المهارات الأساسية لرائد الأعمال.
أنواع المشاريع وطبيعة العمل التي تحتاجه تختلف، لذلك تحتاج لأن تتأكد من نوع المشروع الذي ترغب بالعمل عليه. سنتحدث لاحقاً بالتفصيل عن أنواع المشاريع، وكيفية انجاح كل نوع. ولكن ما يهم الآن هو تحديد ما إذا كنت ترغب بمشروع نمط الحياة، أو مشروع نمو السريع.
مشاريع نمط الحياة (المشاريع الصغيرة) تعني نظام حياة مستقر، دخل بسيط ومنتظم، قد تعمل عليه لوحدك أو توظف عدد بسيط من الموظفين ليساعدونك في التوسع والوصول إلى عدد أكبر من العملاء. في الغالب هذا النوع من المشاريع يكون مشروع تقليدي، بالإمكان تخفيض نسبة خطورته من خلال دراسة السوق بشكل جيد ووضع خطة مناسبة. على المدى الطويل، لو نجحت وتميزت في مشروعك، سيكبر مشروعك ليكون ما تمثله الشركات الكبيرة التقليدية في المنطقة حالياً، كالعائلية أو المدرجة في سوق المال. في هذا النوع من المشاريع تحتاج لمتابعة المشاريع القائمة، ماذا يفعلون، وما هي نقاط تميزهم أو ضعفهم، ما هي الأنظمة والقوانين المتعلقة بالنشاط.
أما مشاريع النمو السريع (المشاريع الإبتكارية)، فهي نوع خاص من المشاريع الصغيرة. تكون جريئة ويلعب الإبتكار دور أساسي فيها. يبدأ المشروع صغيراً، ومن خلال التمويل الخارجي يتطور ويكبر ويتوسع بشكل سريع. ولمواكبة هذا التوسع سيكون على صاحب المشروع تعيين موظفين أو شركاء ليساعدوه في البناء، وهذا النوع من المشاريع متطلب، بالتالي سيجد صاحب المشروع نفسه مضطراً للعمل لساعات طويلة وفي العطل لتحقيق هدفه. في هذا النوع من المشاريع، سيكون عليك البحث عن توجهات السوق، نماذج العمل الإبتكارية، القطاع الذي سيخدمه مشروعك وطريقة العمل فيه.
بعد أن حددت السوق ستحتاج لتحديد اللاعبين الأساسيين في ذلك السوق، وبناء العلاقات معهم. وهذا يشمل: قادة السوق سواء الأسماء الكبيرة أو متعهدي الباطن، مستخدمي الخدمات، والأفراد والمستثمرين المهتمين بالمجال. التشبيك أو التعرف على هؤلاء سيفيدك من عدة نواحي. منها: التعرف على الفرص والتحديات، تحديد عملاء أو مزودي خدمة محتملين، بناء اسمك، وتقليل المخاطر وزيادة الثقة. أفضل طريقة لبناء العلاقات في مجال هي بالعمل فيه، وذلك كما حدث مع نايف القحطاني مؤسس شركة (LSS). حيث كان عمله كسائق لرافعة مستودع، بداية لتعلم الصنعة ومعرفة أسرارها، إعطاء مصداقية لخبرته في المجال، معرفة باللاعبين والمستثمرين المهتمين في المجال. وإن لم تتمكن من العمل يمكنك حضور المؤتمرات والفعاليات المتخصصة، زيارة حاضنات ومسرعات المشاريع، متابعة الأخبار، أو مراسلة الأشخاص لسؤالهم.
مميزات المشروع وقوته تتمحور حول المؤسس. فكلما كان المؤسس قوياً، ومخلصاً للمشروع كلما زادت فرص نجاحه. رحلة بناء المشروع شاقة ومليئة بالتحديات والإحباطات، وإن لم تكن مؤمناً بالفكرة وقدرتك على إنجاحها فلن يؤمن بها أفراد فريقك، المستثمرين، ولا العملاء.
البداية من معرفتك لذاتك، ما يدفعك شخصياً للعمل، وما هي نقاط ضعفك التي تحتاج لتقويتها أو إدخال شريك ليغطيها عنك. في هذا الموقع تجد اختبار لتحديد الشخصية، يساعدك على معرفة نقاط ضعفك وقوتك الشخصية والمهنية. فمثلاً، لو وجدت نفسك تمتلك الخاصية الانطوائية، فأنت تمتلك شخصية قادرة على التفكير والتحليل الذاتي، وبإمكانها العمل لساعات دون الحاجة للاجتماع أو النقاش مع أطراف خارجية. لكن هذه الصفة الشخصية على عكس الإجتماعية يعيبها القدرة على التفكير الارتجالي، والتفاوض المهم في عملية البيع. لذلك قد يهمك أن يكون لديك شريك قادر على البيع متى ما احتجت لذلك. وهكذا للصفات الست الباقية.
كان ذلك عن الصفات الشخصية، ولكن ماذا عن المهارات المهنية. بالإضافة للمهارات الأساسية لمجال عمل المشروع هناك مهارتين أساسيتين يجب لصاحب أي مشروع التعرف على مبادئها: الإدارة المالية، والتقنية. الإدارة المالية لأنها لغة التجارة، والتي يمكن من خلالها معرفة مدى نجاح المشروع وربحيته، وهي اللغة التي سيكون عليك التحدث بها مع المستثمرين والبنوك. أما التقنية، فهي مصدر أساسي لتميز المشروع وإعطاءه قدرة على التنافس سواءاً في الأسعار أو الجودة. طبعاً ليس المقصود بأن تحصل على درجة الدبلوم في المحاسبة أو البرمجة.
هناك مهارات مهنية أخرى كالبيع، خدمة العملاء، الإدارة العامة، التسويق، العمل تحت الضغوط. قد يفيد القراءة حولها والتعرف على مبادئها، ولكن قد يكون من الأهم ممارستها. ويكمن ذلك من خلال العمل في بعض الوظائف البسيطة كمحلات التجزئة، المطاعم، بيع الجملة، خدمة العملاء، السكرتارية.
بناء الفريق، يجب أن ينطلق من التكامل، وليس من التماثل. لذلك ابحث عن الشريك أو المؤسس الذي يضيف قيمة لك ويكمل المشروع. وحاول أن تتفادى شركاء المجاملة أو الشركاء الصامتين متى ما كان ذلك ممكنناً.