جاسم الهارون

مقالات التطوير

النجاح المتوازن



في الحياة هناك ستة مسارات، يعمل كل شخص منّا على الإنجاز فيها. هذه المسارات، هي في الواقع تمثل الرغبات البشرية الست الرئيسية، وهي:
الرغبة الروحانية: ويمكن تلبية هذه الرغبة من خلال تقوية العلاقة مع الله، والطمع في رضاه ومغفرته وجنته. ومن الأعمال التي تقوم بها في هذا المجال العبادات عموماً، وأي عمل من أعمال الرغبات الخمس المتبقية حين تقرن عملك بالنية الصالحة.
الرغبة الإجتماعية: وهذه الرغبة تلبيها من خلال تقوية علاقاتك مع الأسرية، ومع الأصدقاء والناس عموماً. من الأعمال الخاصة بالرغبة الإجتماعية: الزيارات، التعرف على أناس جدد، مساعدة المحتاج.
الرغبة البدنية: وهذه الرغبة تتعلق بالإهتمام بصحة جسدك، وصحتك. ومن أعمالها: المحافظة على جسد سليم، اللياقة، والراحة الكافية.
الرغبة النفسية: وهذه الرغبة مقاربة للرغبة البدنية، إلا أنها تتعلق بصحة وصفاء النفس. ويمكن تحقيقها من خلال: الإسترخاء، الإبتعاد عن الضغوطات، وتصفية النفس من الحقد والغل.
الرغبة العقلية: وهذه الرغبة متعلقة بإشباع النهم للعلم والمعرفة، في جميع المجالات العلمية والتطبيقية. ويمكن تحقيقها من خلال: القراءة، البحث، وتجربة وتعلم الأشياء الجديدة.
الرغبة المالية: وهذه الرغبة متعلقة بإشباع رغبة الإنسان بالإكتفاء بذاته، وعدم حاجته للسؤال وطلب المساعدة المادية. ويمكن تحقيقها من خلال: العمل أو الإستثمار والتجارة.
المشكلة في هذه الرغبات أنك خلال مراحل حياتك لا تعمل على واحدة منها فقط، بل إن النجاح في كل واحدة منها سيحتاج منك لأن تلبي الرغبات وتنميها طوال حياتك. ومدى الحاجة للإهتمام بكل رغبة سيختلف خلال سنوات حياتك. ففي مرحلة مثلاً ستجد نفسك محتاجاً للعناية بجسدك، أحياناً بعقلك، وفي أخرى بمالك. تخيل هذه الرغبات كأشجار تثمر في فصول مختلفة ولكنها تحتاج للعناية بدرجات متفاوته خلال السنة. لو غفلت عن إحدى الشجيرات قد تذبل أو تموت، وبالتالي ستحتاج منك وقتاً إضافياً للعناية، وربما تحتاج للبدء من الصفر.

قبل أن ندرس هذه الحاجات وكيفية العناية بها، أدعوك لمشاهدة هذا المقطع لنايجل مارش، وهو يتحدث عن تحقيق التوازن بين الحياة والعمل، وهو مترجم بالعربية، وستجد ملخصاً بأهم الأفكار أسفل المقطع.

ملخص بأهم الأفكار:

- يذكر نايجل بأنه قد حاول تحقيق التوازن من خلال ترك العمل، واكتشف بأن ما فعله كان جواباً متطرفاً وخاطئاً للمشكلة، ففي النهاية هو يحتاج ليعمل ليجمع المال وينفق على أسرته. العمل في حالته لم يكن خياراً.
- من خلال تجربته، توصل نايجل لأربعة أمور من خلالها يمكن تحقيق التوازن بين العمل والحياة.
- الأمر الأول: نحتاج للإعتراف ومواجهة المشكلة بكل صراحة، فبعض الخيارات التي نتخذها خلال حياتنا تقودنا إلى عدم تحقيق التوازن. ومنها اختيار مسار مهني يقوم على إلتزام شديد تجاه العمل وعدم وجود التوازن.
- الأمر الثاني: الحكومات والشركات لن تحل مشكلة عدم التوازن بين الحياة والعمل. لذلك ينبغي على الشخص التوقف عن النظر وتوقع أن يأتي التغيير من الخارج. فالتغيير لا يأتي إلا من داخل الشخص.
- الأمر الثالث: يجب الإنتباه للإطار الزمني الذي نضعه لأنفسنا. عملية التوازن عملية مستمرة خلال الحياة، لا تتوقع أن تحقق التوازن خلال يوم واحد، فأنت لا تقدر على تلبية احتياجاتك كلها في يوم واحد. وأيضاً لا تؤجل الاحتياجات وتوزعها على مراحل عمرك، فمثلاً شبابك للعمل، وعائلتك بعد التقاعد.
- الأمر الرابع: تحقيق التوازن يجب أن يتم بطريقة متوازنه. فالتوزان لا يتم بعمل تغييرات جذرية وضخمة في حياتك، بل يمكنك تحقيق التوزان من خلال الإستثمار والتوظيف الصحيح لوقتك.

الرغبات الست ومراحل الحياة:

لو قسمت حياتك إلى مراحل رئيسية، مثلاً الدراسة قبل الجامعية، الدراسة الجامعية، بداية المشوار المهني، تأسيس الأسرة، تربية الأبناء، التقاعد. ستجد أنك تلبي الرغبات بطريقة متفاوته في كل مرحلة. ولو نظرت إلى كل مرحلة، ستجد أنك خلال تلك المرحلة، توزع الجهد على فترة زمنية معينة، وأيضاً قد تتعرض لطورائ تلخبط أوراقك، وتضطرك لإعادة ترتيب أعمالك لتلحق وتستدرك ما فاتك. الرسم التالي يوضح توزيع الرغبات على مراحل مختلفة من حياتك:

فتلاحظ مثلاً، أن الإهتمام بتوفير مصدر للدخل، لم يكن يشغلك قبل دخولك للجامعة، وحين دخلت للجامعة كان يشغلك بدرجة محدودة، ولكن بعد تخرجك من الجامعة أصبح توفير مصدر للدخل أمر أساسي في حياتك. وهكذا مع بقية الرغبات. وكما ذكرت سابقاً، أن هذا التوزيع ليس ثابتاً طوال المرحلة، فمثلاً، في المرحلة الجامعية، أيام الإختبارات النهائية يختلف التوزيع، فتصبح دراستك (الحاجة العقلية)، شغلك الأساسي، والبعض قد ينام لساعات أقل، وقلما تجد طالباً يمارس الرياضة في هذه الأيام. وكذلك هو الحال في أيام المرض، كفانا الله وأياك شره، في أيام المرض، سيصبح أمر العناية بجسدك طاغياً على بقية الرغبات، وقد تعتذر عن الذهاب للمدرسة، الجامعة، أو العمل. وهكذا.

توزيع الجهد بتوازن:

التوزان في توزيع الجهد، يعني معرفتك بالهدف الرئيسي للمرحلة التي تمر بها، وتجعل هذا الهدف نصب عينيك دائماً. وحين يحدث اضطراب لسبب طارئ، تتذكر أن ذلك الهدف هو ما يجب أن تعمل عليه أولاً كي لا يحدث إخفاق في المرحلة التي تمر بها. فمثلاً، أثناء دراستك في الجامعة، لو افترضنا أنك اصبت بمرض، لا قدر الله، أقعدك عن الدراسة وعن تلبية حاجتك الإجتماعية والمالية والعقلية. فور شفائك، يكون استدراكك للقدرة العقلية أولاً، قبل بقية الحاجات. وذلك لأن فشلك الدراسي، سيتسبب بإرباك كبير في حياتك وخطتك العامة، بينما تقصيرك إجتماعياً أو مالياً في هذه المرحلة لن يكون له ذات الأثر.

في الوقت ذاته، تذكر مثال الشجيرات الذي تحدثنا عنه سابقاً، يجب أن تحدد الحد الأدنى من الرعاية التي يتوجب عليك أن تمنحها لكل جانب من جوانب حياتك. ففي مثال مرضك أثناء الدراسة، لو حدث أن في اليوم التالي لشفائك، كان هناك طارئ إجتماعي كزواج أحد أخوتك، أو مرض أحد أصدقائك، قد يوجب عليك تقديم هذا الأمر على دراستك. لأنك قد تعلم بأن عدم الإتصال بصديقك مثلاً، قد يخسرك علاقتك به. هذه الأمور يتوجب عليك التفكير بها، والتعرف عليها، فوقتك محدود وهناك أولويات في الحياة يتوجب عليك التنبه لها. الحديث عن تحديد الأهداف وترتيب الأولويات سيأتي لاحقاً بالتفصيل.

الأهداف المرحلية والحدود الدنيا:

في الجدول التالي تجد مثالاً وضعته لتوضيح فكرة الهدف الرئيسي، هدف المرحلة، والحدود الدنيا للرغبات في مرحلة الدراسة الجامعية. قد لا تحتاج لكتابة جدول شبيه بهذا ولكن يتوجب عليك أن تضع فكرته في ذهنك، وبطبيعة الحال هذا الجدول مثال، وما ستضعه أنت بالتأكيد سيختلف عن ما سيرد فيه.

الرغبة ترتيبها في المرحلة الحد الأدنى هدف المرحلة
الروحانية لا ينطبق الصلوات الخمس، صيام رمضان التصدق بخمسة ريال أسبوعياً، وصيام أيام الخميس
الإجتماعية الثانية الإتصال بأقارب الدرجة الأولى أسبوعياً، التواصل مع بقية الأصدقاء والأقارب مرة شهرياً تكوين علاقة جيدة مع أساتذة وطلاب التخصص
البدنية الثالثة المحافظة على نظام غذائي متوزان، المشي لمدة نصف ساعة يومياً المحافظة على الوزن الطبيعي، وزيادة درجة اللياقة
النفسية الرابعة الإسترخاء لمدة نصف ساعة يومياً، تصفية النفس من الحقد الهدوء والتحكم في الغضب
العقلية الأولى التفوق في جميع المواد، وحضور دورات تطويرية في مجال التخصص الحصول على الشهادة الجامعية خلال أربع سنوات بدرجة إمتياز
المالية الخامسة التقليل من الإعتماد على الأهل لتوفير الدخل الإكتفاء الذاتي

في البداية لاحظ في الجدول أن الرغبة الروحانية لا ينطبق عليها الترتيب، لإفتراض بأنك ستشبع هذه الرغبة بأي عمل أو جهد تقوم به في أي مجال من مجالات حياتك. الرغبة الرئيسية في هذه المرحلة “مرحلة الدراسة في الجامعة”، هي العقلية. وتلاحظ بأن الحد الأدنى مرتفع نسبياً عن بقية الأهداف. في هذه المرحلة، يجب أن لا يقل طموحك وعملك عن هذا الهدف، وفي كل الأحوال حين يحدث إضطراب في جدولك، فإن أول ما تحاول تداركه هو هذا الهدف.

بقية الجوانب تلاحظ أن ترتيبها يختلف، وحدودها الدنيا قد تكون سهلة ولا تتطلب منك الكثير العمل. وهناك أيضاً أهداف، هذه الأهداف ليست رئيسية ولكنها ستساعدك في مراحل لاحقة. قد يكون من الجد معرفتها ومحاولة العمل عليها حين تجد فرصة سانحة لإقتناصها. ولكن لا تعطيها وقتاً على حساب الحاجة الرئيسية. وبالطبع ترتيب هذه الحاجات، مفيد لك لمعرفة بماذا تبدأ، وماذا تقدم.