جاسم الهارون

المدونة



أساليب الإتصالات الحديثة، والإنترنت، جعلت حياتك كالبيت الذي لا أبواب له. مضايقات وإزعاج يأتيك بدون إستئذان ومن أشخاص لا تعرفهم، عبر رسائل البريد الإلكتروني أو رسائل الجوال القصيرة، دون مراعاة للوقت أو لحالتك الجسدية والنفسية. وسواء أكانت تلك الإعلانات للإحتيال (سكام) أو إغراقية (سبام)، يتفق الجميع على كره مصدرها، ولكن قد يختلف التصرف الذي قد يتخذه أحدنا حيال ذلك الإزعاج.

تصرفنا بعد شعورنا بالإنزعاج، له تأثير كبير على المحصلة التي ننتهي معها. وربما سمعتم بالقصة الشهيرة للرجل الذي استيقظ من نومه وبالخطأ سكب القهوة على ملابسه، وكان غضبه سبب في ارتكابه للعديد من الأخطاء خلال يومه، وكل خطأ كان يغذي ويزيد من غضبه. وفي النهاية لم يتمالك أعصابه عند توبيخ مديره له بسبب التأخير، وانفجر على مديره ففصل من الشركة التي كان يعمل بها.

المثال أو القصة السابقة، على الرغم من صحة المعنى الذي تحمله، تبدوا لي بأنها إفتراضية، وغير مستندة لشخصيات واقعية. ولأن القصص الواقعية تعطينا عبرة أفضل، لقربها من واقعنا، وشعورنا بأن أحداثها من الممكن أن تصيب أي شخص منّا. أحببت أن أذكر لكم قصتين لشخصين حقيقين، توضح حقيقة ذلك المعنى وإنعكاسه على حياتنا المستقبلية. بطلا القصتين هما (تشارلز بوهر، وبراد ساكس)، كلاهما تضايقا من رسائل البريد المزعجة، ولكن كان لكل واحد منهم رد فعل مختلف، وكنتيجة لردة الفعل تلك، اختلفت النتائج التي حصل عليها كل واحد منهم. والآن لنستمع لقصتيهما:

تشارلز بوهر:

تشارلز بوهر، مهندس حاسب آلي من الولايات المتحدة الأمريكية، كان يعمل في وادي السيلكون وفي عمر 44 سنة، سنة 2003م، ضاق ذرعاً بإحدى الشركات التي أغرقت بريده الإلكتروني وجهاز كمبيوتره برسائل تسويق لأحد منتجاتها. فما كان منه إلا أن هدد الشركة بالتعدي وقتل موظفينها. وتذكر محاضر الإدعاء، بأنه هدد بإرسال شحنات تحتوي على فيروس الجمرة الخبيثة للشركة، وهدد بإطلاق الرصاص على أحد موظفي الشركة، وتعذيبه بإستخدام الدريل “مثقاب” ومسمار تكسير الثلج. مالم تقم الشركة بإزالة اسمه من قوائمها البريدية، والتوقف عن إزعاجه. واستخدم لإرسال رسالة التهديد تلك عنوان مزيف باسم ([email protected]) ويعني شيطان@جحيم.منظمة.

بعد أن تقدمت الشركة بشكوى ضده، اعترف بأنه قد تصرف بشكل سيء، وأنه قد فعل ذلك لأن الشركة أزعجته، وجعلت جهازه غير قابل للإستخدام لمدة شهرين بسبب الرسائل الإلكترونية والرسائل المنبثقة. على ضوء تلك الشكوى، تم إلقاء القبض عليه، وأطلق سراحه بكفالة قيمتها 75 ألف دولار، مع إمكانية الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية بقيمة 250 ألف دولار.

تشارلز إنتحر في بداية العام 2005م!

براد ساكس:

براد ساكس، موسيقي في عمر 26، أزعجته رسائل التسويق في بريده الإلكتروني، ولكن تصرف بطريقة أخرى. يقول براد: “في أحد الأيام، وأثناء تحديقي في صفحة الوارد من بريدي الإلكتروني والتي كانت غارقة في الرسائل المزعجة، استوقفتني عناوين تلك الرسائل، مثلاً، اشعر بتحسن فوراً، أو ليكن مظهرك وشعورك وكأنك أصغر بسنوات.” بعض تلك العناوين كان مبتذلاً وغريباً، ولكن في نفس الوقت كان براد يواجه مشكلة في إيجاد اسماء وأفكار، لأغانيه. فيقول: “قلت لنفسي، لعلي أجد شيئاً في هذه العناوين”. براد كتب اغنية وغناها مستوحيها من “ليكن مظهرك وشعورك وكأنك أصغر بسنوات”، ثم بعدها بفترة، وظف براد وبإستخدام الإنترنت عدداً من الموسيقين لكتابة أغاني وتمكن من تسجيل ألبوم يحتوي على 14 أغنية عنوانه “Outside the Inbox”، أو “خارج صندوق الوارد”. وحتى اليوم تمكن من بيع مئات النسخ من الألبوم، وحّملت ملفات الأغاني مئات الآلف من المرات. وقام بإصدار ألبومين غيره، خلال السنوات من 2002 إلى 2008.

وماذا بعد؟

كلا الشخصين ضايقتهم الرسائل المزعجة، ولكن تعاملهم بعد الشعور كان مختلفاً. وبغض النظر عن التصرف الذي قام به كل واحد منهم، لم يتم التخلص من الشعور بالضيق، ولكن أحدهم انتهى به الأمر، ليستخدم ذلك الغضب بشكل عدواني، وأخيراً أدخل القبر، والآخر بشكل مبتكر وإبداعي ساعده على تحقيق النجاح والشهرة. ولذلك عندما ترتطم رجل بصخرة، لا تلعن ولا تتذمر أو تحاول الإنتقام من الصخرة، ولكن ابحث عن طريقة لتستفيد منها في بناء سلم لنجاحك.