جاسم الهارون

المدونة



ذكرنا ضمن ذلك المقال، أن معظم الشركات الهرمية ولأسباب متعلقة بالمنع والتحريم، تحاول الإلتفاف على النظام بإدعاء أنها شركات تسويق شبكي. لم تختر تلك الشركات التسويق الشبكي إعتباطاً، بل كان الإختيار لسببين رئيسين:
- قدم نظام التسويق الشبكي، وأنه متعرف به كنظام قانوني في معظم دول العالم.
- درجة التشابه بينه وبين النظام الهرمي.
التفريق بين النظامين ليس سهل، بالإضافة لذلك، نظام التسويق الشبكي ليس معروف لدينا في الوطن العربي. بالتالي قد تكون أفضل بداية للتفريق بينهم هي بالتعرف على النظام الشبكي.

من المتفق بأن عملية التسويق أو البيع والشراء، قديمة قدم البشرية، وتتخذ أشكال متعددة، لتسهيل دراسة عملية التسويق تم إبتكار تصنيفات وأقسام مختلفة لتمييز أنواع التسويق وأساليب البيع. أحد هذه التصنيفات يعتمد على مسار البضاعة من المُصنّع إلى المستهلك، وفيه تم تقسيم عملية التسويق إلى صنفين رئيسيين، أولاً: التسويق الغير مباشر، وفيه تسير البضاعة من المصنع إلى الوكيل إلى الموزع إلى البائع ثم إلى المستهلك. ثانياً: التسويق المباشر وفيه تكون عملية البيع مباشرة من المصنع أو أحد مندوبيه إلى المستهلك النهائي.

التسويق الشبكي

هو المسمى الجديد، أو العصري، للتسويق المتعدد الطبقات، وهو أحد أنواع التسويق المباشر. وبالإضافة لمسمى التسويق المتعدد الطبقات ومسمى التسويق الشبكي، يعرف هذا النوع من التسويق بأسماء أخرى، كالبيع الهرمي، والتسويق بالتوصية، التوزيع التفاعلي، التسويق بالعلاقة، وغيرها. ظهر هذا النوع وأنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة التي سبقت عصر الإنترنت والإتصالات السريعة. وكانت الحاجة له مدفوعة من التكلفة العالية للتوزيع والشحن والتخزين، التي تتكبدها الشركات المصنعة لمنتجات عدد مستهلكينها قليل، وتوزيعهم على مستوى جغرافي كبير.

فلو أخذنا بلداً كالسعودية ومنتجاً لتوليد الطاقة الشمسية على سبيل المثال، يمكننا القول بأن السوق المحتمل لهذا المنتج سيكون في القرى النائية التي لم تصلها الكهرباء. وهنا تقابل صاحب المشروع عدد من المشاكل في تسويق المنتج لأهل القرى، فمثلاً، قلة وعي أهل القرى بوجود هذا الحل وهذا المصدر للطاقة، صعوبة الوصول إلى كل قرية على حدى وتقديم خدمات البيع والتركيب وخدمة ما بعد البيع لهم.

التسويق المتعدد الطبقات، أو الشبكي، يحل هذه الإشكالية، فبدل إفتتاح فرع في كل قرية أو بين مجموعة قرى وتكبد مصاريف استئجار معرض ومستودع وتوظيف مندوب مبيعات وفني صيانة، يقوم صاحب المشروع بتوظيف موزع مستقل في كل قرية، لا يحصل على راتب ثابت بل على عمولة، وغالباً ماتكون عالية، مقابل كل وحدة يتم بيعها من خلاله. بالإضافة لإنخفاض تكلفة التوظيف، يكسب صاحب المشروع ثقة أهل القرية بالمنتج، فمن يسوق له هو أحد أهل القرية وليس شخص غريب. وهذا المسوق، يعرف كل فرد من أهل القرية شخصياً، ويعرف احتياجاتهم وطبيعة حياتهم، ومن خلال هذه المعلومات يستطيع إقناعهم بالشراء. وغالباً ما يطلق على هذا المسوق أسماء كشريك، مساعد، صاحب عمل مستقل، مالك الوكالة، مستشار المبيعات، وغيرها.

الآن، لنأخذ خطوة أخرى مع المثال السابق، لنفرض أن أحد المسوقين بعد فترة من البيع في قريته، أراد التوسع في المبيعات بالتسويق على أهل قرية مجاورة. ولكنه لا يجد الوقت الكافي للتنقل بين القريتين، وربما لم يجد ذات الترحيب الذي وجده من أهل قريته. لتخطي هذه المشكلة قام بإقناع أحد أصدقائه في تلك القرية الجديدة بأن يتولى هذا الصديق أمر التوزيع هناك، مقابل تزويده بالخبرات والمواد والتدريب اللازم في عملية التسويق. وبالطبع سيقوم الصديق ببيع المنتج بذات السعر، ويعطي صاحبنا نسبة من مبيعاته، وهكذا تبدأ الشبكة بالتكون.

الإشكالية في هذا النظام

من خلال الشرح السابق، قد تكون وصلت إلى قناعة بأن نظام التسويق الشبكي نظام لا إحتيال فيه، فهناك مُصنّع وموزعين ومستخدمين، والنظام ككل قائم على تبادل الفوائد بين الأطراف الثلاثة، وهناك منتج مفيد ومطلوب ويتم تداوله خلال عملية التسويق. وأنا اتفق معك في ذلك!

الإشكالية تكمن في أن هذا النظام مؤخراً، غالباً ما يستخدم كغطاء لإخفاء شركات محتالة، توهم الموزعين بشرعيتها، وهي في الواقع تسعى جاهدة بأن الفائدة لا تسير إلا في إتجاه واحد.. من قاع الهرم إلى أعلاه. وبعض النقاد يرى أن كثرة المسميات، واستخدام الكلمات الجذابة والعصرية، هو محاولة لتمييز التسويق الشبكي عن نظام بونزي، الذي تحدثنا عنه سابقاً، وأنظمة الإحتيال الأخرى.

في السنوات الأخيرة، كان التسويق الشبكي هدف للعديد من القضايا، والبعض يراه لم يستخدم إلا لإخفاء نظام الاحتيال الهرمي. بدليل أن عدد من الشركات العاملة بهذا النظام، تركز على توظيف موزعين جدد أكثر من تركيزها على تطوير المنتج نفسه. وتضغط على الموزعين، بشكل مباشر أو غير مباشر، لشراء منتجات الشركات للوصول إلى عدد المبيعات المستهدف، أو تستغل علاقاتهم الشخصية لتوظيف موزعين جدد أو لبيع المنتجات. وكذلك تضع نظام معقد ومبالغ فيه للتعويضات أو الأرباح التي يوعد بها الموزعين في حالة بلوغهم لمستوى معين من الأهداف. وأخيراً، تكوين منظمة خاصة بالشركة تكون فيها التبيعة المطلقة، التي قد تصل لحد التقديس، لشخص أو أشخاص في المنظمة، وتعزيز ذلك بتوفير خطط وبرامج ومميزات للأعضاء لا تتاح لغيرهم.

ومما يثير التساؤلات حول الشركات التي تستخدم هذا النظام في الوقت الحالي، أن هذا النظام أساساً، نشأ وازدهر في بيئة كانت تحتاج لهذا النوع من التسويق، ففي الفترة قبل الإنترنت وقبل الإتصالات السريعة، وقبل محطات التسويق الفضائية، كان من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إيصال رسالة أو إقناع مزارع أو فلاح في قرية نائية بأهمية منتج قد يسهل حياته، أو يزيد من انتاجيته. أما الآن، فمع وجود التقنية، أصبح بإمكان المشتري في قرية صغير من أقاصي السعودية، طلب منتج من الطرف الآخر من العالم “أمريكا” بضغطة زر خلال عشر دقائق، ويصله إلى أقرب مدينة كبيرة إن لم يكن إلى باب بيته خلال أسابيع قليلة. فبالتالي إختفى الداعي لوجود نظام تسويق شبكي بالكثافة الموجودة حالياً.

تمييز شركات التسويق الشبكي الحقيقة عن أنظمة الإحتيال

حذرت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية، Federal Trade Commission، من أن ليس كل من إدعى بأنه منظمة تسويق شبكي هو في الواقع كذلك. فهناك بعض الشركات هي في الواقع منظمات هرمية تستخدم التسويق الشبكي لإخفاء حقيقتها. ودعت اللجنة إلى عدم المشاركة في أي نظام يكون فيه الدخل، أو الارباح التي تحصلها، تعتمد بشكل كبير على عدد المنضمين للمنظمة من خلالك وليس من خلال عدد مبيعاتك للناس خارج المنظمة، أي الذي يشترون المنتج للإستخدام وليس لمضاعفة كمية المبيعات.

ووضعت اللجنة الفيدرالية ثمانية نقاط يجب عليك التفكير فيها قبل دخولك أو إنضمامك لأي مشروع تسويق شبكي، كي لا تكون ضحية للإحتيال، وهي:
- ابحث واقرأ عن الشركة وتاريخها.
- ابحث واقرأ عن منتجات الشركة.
- لا تكن سلبياً اسأل اسئلة.
- تعرف على القيود المتعلقة بالعقد، والشروط أو الأحكام المطبقة.
- تحدث مع موزعين أو مصنعين آخرين للمنتج، واحذر من الشركات التي يكون بينها اتفاق مع منظمتك.
- تحدث وتشاور مع صديق أو مستشار محايد وتثق برأيه للتأكد من قرارك.
- خذ وقتك ولا تستعجل.
- تأكد من موافقة خطة الشركة مع قدراتك ومؤهلاتك وأهدافك.

المراجع:

التسويق المتعدد الطبقات